منذ الساعات الأولى من نشوب الأزمة الخليجية الراهنة، حرصت أطرافها على أن امتداد الأزمة وحلها، يجب أن يكون داخل البيت الخليجي. ومع ذلك، فقد اقتحمت الأزمة أروقة الأمم المتحدة بقوة، في حين كان للمنظمات الإقليمية الأخرى أدوار حاضرة أيضا. فما هو دور هذه التكتلات، وكيف يمكن أن يؤثر على اتجاهات الأزمة؟
الأزمة داخل البيت الأممي في نيويورك
سجلت الأمم المتحدة حضورا واضحا في الأزمة، فإلى جانب اتصال أمينها العام البرتغالي الجنسية غوتيريش بولي عهد ابوظبي الشيخ محمد بن زايد، ومسؤولون آخرون، فقد عبرت المنظمة عن استعدادها للعب دور الوساطة لحل الأزمة مع تأييد المبادرة الكويتية.
موقف حقوقي أممي
وتبع هذا الموقف، أن أعرب المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان الأمير الأردني زيد بن رعد، عن "قلقه البالغ" من تداعيات قرار قطع العلاقات مع قطر على حقوق الإنسان في جميع دول أطراف الأزمة.
وقال متحدثاً عن التوجيهات التي مست الأسر المشتركة مع قطر: "لديها القدرة على أن تعرقل على نحو خطر حياة آلاف النساء والأطفال والرجال لمجرد أنهم ينتمون إلى إحدى الجنسيات المعنية بالأزمة".
وحول إعلان الإمارات والبحرين تجريم التعاطف مع قطر أو الاعتراض على قطع العلاقات معها، قال: "أشعر بالقلق أيضاً من سماع أن الإمارات والبحرين تهددان بسجن ومعاقبة الأشخاص الذين يعربون عن تعاطف مع قطر أو عن اعتراضهم على التدابير التي تتخذها حكوماتهم، في ما يبدو أنه انتهاك واضح للحق في حرية التعبير أو الرأي".
وقد ردت الدول المقاطعة على المفوض الأممي، ببيان قالت فيه: "إن قرار قطع العلاقات مع قطر حق سيادي ومنسجم مع القوانين الدولية".
قلق الأمم المتحدة
ومن جهة أخرى أكدت الأمم المتحدة، أن للأزمة الخليجية تداعيات "مقلقة" وقد استدلت بذلك على عودة التوتر إلى جيبوتي وإريتريا بمجرد انسحاب قوات حفظ السلام القطري من حدود الدولتين، كما ورد على لسان استيفان دوغريك المتحدث بإسم غويتريش.
الأمم المتحدة ترفض قائمة "الإرهاب"
مرتان كررت فيهما الأمم المتحدة موقفها الرافض لقائمة الإرهاب التي أصدرتها السعودية ومصر والإمارات والبحرين، وأدرجت فيها 59 شخصًا، و12 كيانًا على صلة بقطر.
ومن نيويورك، قال المتحدث الرسمي باسم غوتيريش، “استيفان دوغريك”، للصحفيين إن “أي قوائم غير تلك الصادرة عن إحدى وكالات الأمم المتحدة هي قوائم غير ملزمة لنا”.
وأردف إن “موقفنا لن يتغير إزاء مؤسسة قطر الخيرية التي عملت في السابق مع وكالات أممية مثل “يونيسف” و “أونروا”.
الأزمة في أروقة التعاون الإسلامي
مع بدء الأزمة، أصدرت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي ومقرها جدة في السعودية، ويرأسها السعودي الجنسية يوسف بن أحمد العثيمين، انحازت فيه إلى جانب ما يوصف ب"دول الحصار" ضد قطر. وقالت في بيانها إنها "ظلت تتابع عن كثب التطورات الراهنة في منطقة الخليج والمتمثلة في قطع عدد من الدول الأعضاء في المنظمة علاقاتها الدبلوماسية مع دولة قطر استنادا إلى معلومات وأدلة تثبت انطلاق أعمال معادية لها من قطر".
وطالبت المنظمة دولة قطر "الالتزام بتعهداتها السابقة والاتفاقيات التي وقعتها تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي وخاصة تلك المتعلقة بوقف دعم الجماعات الإرهابية وأنشطتها والتحريض الإعلامي".
وقد أصدرت قطر بيانا استنكرت فيه موقف المنظمة، كونه "استند على ادعاءات وتهم غير صحيحة وجاحدة ضد الدوحة"، واعتبرت موقفها "سابقة خطيرة" كونه انحاز لدول على حساب أخرى، بحسب بيان الدوحة. وإلى هنا توقف دور المنظمة الإسلامية.
الجامعة العربية والأزمة الخليجية
العاهل الأردني هو رئيس القمة العربية لهذا العام، كان بصدد إجراء مناقشات بين أطراف الأزمة، غير أن مبادرة الكويت وتنقلات أميرها كانت في ذروتها، مع أوقف دورا عربيا للتدخل، قيل إن دول الخليج المقاطعة هي التي طلبت بقاء الجامعة العربية بعيدة عن الأزمة.
ومع ذلك، فقد أعرب الأمين العام للجامعة العربية ومقرها الدائم بالقاهرة، المصري الجنسية أحمد أبو الغيط، عن أمله بأن يتم تجاوز الأزمة القطرية الخليجية "الخطيرة" قريبا، وأكد استعداده للعمل من أجل رأب الصدع العربي. وإلى هنا انتهى دور الجامعة.
مجلس التعاون الخليجي
رغم أن جميع أطراف الأزمة تشدد على ضرورة الحل في الإطار الخليجي، إلا أن مجلس التعاون ،ومقره الرياض، حتى الآن لم يصدر عنه أي بيان رسمي أو موقف جماعي، حتى في ظل مبادرة أمير الكويت، وهي تتم تحت سقف الخيمة الخليجية.
فالأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي،التي يرأسها المسؤول العسكري والأمني، سابقا، البحريني عبد اللطيف الزياني، تلتزم الصمت تماما، ما عرضها لانتقادات قطرية، وطالبتها بأن يكون لها دور واضح ومعلن للمساهمة في حل الأزمة.
الشعوب الخليجية كانت حاضرة بقوة في هذه الأزمة، واستذكرت كيف أن الأمانة العامة لمجلس التعاون سارعت لإصدار بيان في ديمسبر الماضي يدافع عن قطر ويعلن براءتها من اتهامات نظام السيسي لها بدعم الإرهاب، وذلك بعد تفجير الكاتدرائية المرقسية في العباسية بالقاهرة.
أثر المنظمات في مسار الأزمة
استطاع موقف الأمم المتحدة من دفع دول المقاطعة إلى وقف انزلاق الأزمة على الأقل إلى ما هو أكثر خطورة، وكان لموقفها المحايد دور في تشجيع دول أخرى على الحياد. وباستثناء المنظمة الأممية، فليس هناك أثر واضح لأي منظمة أو تكتل دولي أو إقليمي في الأزمة حتى الأن، على الأقل.
وبينما لا تزال أمانة مجلس التعاون بدون أي مواقف معلنة، ومبادرة أمير الكويت "في سكون"، لجأت أطراف في الأزمة إلى تدويلها وإخراجها من سياقها الخليجي والعربي والإسلامي، وذلك بتدخلات ترامب المنحازة لطرف دون آخر، أو في مطالبة بعض عواصم الأزمة "للغرب" بفرض نظام رقابة على قطر، أو إرسال الشكاوى ضد الدوحة إلى واشنطن وليس لمجلس التعاون أو الجامعة العربية أو التعاون الإسلامي أو حتى الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي يشي بأن المنطقة لا تزال أمام مستقبل ممتد من الجمود السياسي والدبلوماسي لفترة قد تكون طويلة.