يأتي القرار الأخير للنائب العام باعتبار أن إبداء أي تعاطف مع دولة قطر سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها حول ما تتعرض له من إجراءات المقاطعة والحصار، يمثل جريمة قد تودي بصاحبها إلى السجن من 3 إلى 15 سنة، وغرامة مالية لا تقل عن نصف مليون درهم، ليعكس حالة خنق حرية التعبير الذي تعيشه الدولة في ظل استمرار سعي الجهات الأمنية للحجر على آراء المواطنين فيما يتعلق بمختلف السياسات التي تتخذها السلطات بعيداً عن الحالة الشعبية واتجاهات الرأي العام.
هذا القرار وما تبعه من قرارات حجب عدد من المواقع الالكترونية المحسوبة على قطر، يعكس هاجسا أمنيا من حقيقة الحالة الشعبية الرافضة لتلك القرارات التي لاقت استهجانا واستنكارا حقوقيا واسعا من قبل منظمات حقوق الإنسان عربيا ودوليا، والتي اعتبرت أن هذه الخطوات تأتي استمرارا لمسلسل طويل من الانتهاكات لحقوق الإنسان في الإمارات وحرية الرأي والتعبير، لاسيما منذ العام 2011 وانطلاق موجات الربيع العربي.
هذا الهوس الأمني لم يستثني أحدا سواء كان مواطنا أو مقيما أجنبيا في الدولة، ممن يتم اعتقالهم على خلفية "منشور" أو "تغريدة" تكتب على مواقع التواصل الاجتماعي يصنف على أنه انتقاد للسلطات في الإمارات أو سياساتها، فكل ما يكتب في الفضاء الالكتروني يتم رصده عبر شبكة أمنية الكترونية لا تتسامح مع أي انتقاد، حيث شهد العام 2016 وحده محاكمة 116 شخصًا من الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
مسلسل متواصل من الاعتقالات
فكان اعتقال خبير الاقتصاد الإماراتي الدكتور ناصر بن غيث على خلفية منشورات له على مواقع التواصل الاجتماعي انتقد فيها نظام الانقلاب في مصر إثر مجزرتي رابعة والنهضة والتي راح ضحيتها آلاف المصريين، حيث حكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة "إهانة رئيس أجنبي".
كما تم اعتقال الناشط الحقوقي البارز أحمد منصور في مارس 2017، وهو الحاصل على جائزة «مارتين أينالز» للمدافعين عن حقوق الإنسان، بدعوى الاشتباه في استخدامه مواقع التواصل الاجتماعي في نشر «معلومات مغلوطة وأخبار كاذبة من أجل إثارة الفتنة الطائفية والكراهية والإضرار بسمعة الدولة» بحسب التهم الموجهة إليه.
ويضاف إلى ذلك عشرات الحالات من الاعتقالات التعسفية على خلفية منشورات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها الصحفي الأردني تيسير النجار الذي حكم عليه بالسجن 3 سنوات على خلفية منشور انتقد فيه موقف الإمارات من العدوان على غزة عام 2015، و الحكم على الإماراتية «أمينة العبدولي» بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة إنشاء حسابين على تويتر، ونشر معلومات تحرض على الكراهية ضد الإمارات، والمدون أسامة النجار وغيرهم الكثير.
وقد أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش لتجسس الحكومة على المعارضين، عندما نشرت في يناير الماضي، أن: «السلطات الإماراتية عززت بشكل كبير قدرتها على المراقبة الإلكترونية في إطار جهودها لقمع حرية التعبير"
قمع باسم القانون
وتلجأ السلطات الأمنية لاستخدام القانون لغطاء لهذه الممارسات التي تنتهك حرية الرأي والتعبير عبر سن قوانين تكرس قمع الحريات تحت مسميات "إثارة الفتنة" ، أو "الإضرار بالوحدة والسلم الاجتماعي" وغيرها من التهم الفضفاضة لملاحقة الناشطين السياسيين والحقوقيين، فكان قانون مكافحة التمييز في يوليو عام 2016، والذي «يجرم بث أو نشر أو نقل أي مواد استفزازية بأي وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل الإعلام أو الإنترنت».
كما جاءت التعديلات التي أضيفت لقانون العقوبات في ديسمبر الماضي، لتنص على انه: «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار من شأنها إثارة الفتنة، أو الإضرار بالوحدة أو السلم الاجتماعي»، فيما تسمح المادة 288 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الإماراتي «بعقوبة تتراوح بين 3 و15 عامًا في السجن لمن ينشر أي شيء على الإنترنت من شأنه تعريض أمن الدولة ومصالحها العليا للخطر أو المساس بالنظام العام" وغيرها من التعديلات التي تمثل سيفاً مسلطاً على حرية الرأي والتعبير.
فما هو الخطر الذي تشكله على الدولة تغريدة أو منشور على الفيس بوك يعبر فيها صاحبها عن رأيه في أي قضية داخلية أو خارجية تتعلق بالسياسات العامة للدولة، وإلى متى استمرار سياسة تكميم الأفواه وقمع الحريات التي تزيد من حالة الاحتقان الشعبي، فأمن الأوطان واستقرارها يتحقق بضمان العدالة والكرامة لمواطنيها ونيل حقوقه في التعبير عن آرائه بطريقة سلمية وحضارية لا سيما عبر العالم الافتراضي الذي بات عصياً على الوصاية والحجر عليه مهما تعددت الوسائل والأساليب الأمنية فيما يتعلق بالحجب أو التهديد.