عائشة سلطان
فيما يخص الكتب تحديداً، فإن أمر الاشتغال بها: طباعة ونشراً وترويجاً وتوزيعاً ليس بالهين أو السهل، فدونه مصاعب وعراقيل، ولنجعل الأمر إيجابياً من منطلق القول المعروف عندنا «هونها تهون، كبرها تكبر»، فإننا نسارع لتأكيد أن كل نشاط أو عمل وكل مهنة أو حرفة في هذه الحياة هي في خلاصتها محاولة للارتقاء والتطور والنجاح، وهي طرف من معادلة كبيرة تصب في النهاية في ذلك المجرى النبيل الذي أراده خالق الحياة لنا: عمارة الأرض وبناؤها، وهي عملية شئنا أم أبينا قائمة على الصراع أو لنقل أساسها الصراع والتنافس وبوصف القرآن «التدافع»، بالتدافع يضمن البشر وتضمن الحياة استمرارها، مع ذلك فان التنافس والصراع والتدافع في مجال العمل بالكتب لا يمنعنا من أن نقف احتراماً لكل المبدعين الحقيقيين الصادقين حتى وإن كانوا ضمن دائرة التنافس الشرس، الذي يحكم سوق الكتاب كما يحكم كل أسواق البضائع الأخرى.
لا أحد يستحق الاحترام وإن نشط على أيديهم كثيراً وطويلاً في هذه الأيام أكثر من كتابنا، الذين بدأت أسماء بعضهم تشق طريقها بشكل قوي وسريع نحو الشهرة والظهور والتداول، هؤلاء الكتاب، الذين يضمنون نتاجهم الإبداعي الروائي تحديداً فكراً إنسانياً نبيلاً مضمخاً بروائح الجغرافيا الإماراتية والإنسان والتفاصيل الإماراتية، التي تتكئ على الموروث وجزئيات الثقافة المحلية والذاكرة وسيرة المدينة وتحولاتها خلال الأربعين عاماً الماضيات، متباعدين قدر إمكانهم عن الركاكة والضحالة والفراغ واللامعنى واللاانتماء، هؤلاء علينا ككتاب ونقاد وقراء ومثقفين إن نبحث عنهم وأن نقول لهم امضوا محصنين بمسك المعنى والامتلاء الناصع!
في ركام الكتب التي تصدر هناك ثقافة بلا حدود وهناك تفاهة بلا حدود أيضاً، فأما الجيد والممتلئ بالفكرة والراشح بالتماسك والقوة، التي تنفع الناس فسينتشر وسيبقى، وأما الزبد فسيملأ الشطآن ثم ما يلبث أن يذهب جفاء، الناس تكبر بالوعي، تنمو مع الوضوح والقرار والاختيار، تقوى بالمعلومة والتفنيد ومعرفة الغث من الثمين، الناس الذين تنطلي عليهم تفاهات بعض النتاج الموجود لن يبقوا صغاراً طويلًا، سيغادرون طفولتهم ومراهقة أيام المدرسة واالطيش وسيلتحون بجامعات أكبر وسيختلطون بأناس مختلفين، ستتغير اهتماماتهم وكذا ذائقتهم وسيذهبون إلى حيث تدلهم فطرة البحث عن الأفضل في الأدب وفي القراءة وفي الأصحاب، فلا تراهن كثيراً على سوق الضحالة الأدبية!
وجدت أكثر من كتاب جيد وأكثر من كاتبة جيدة في عالم الرواية (ممن وصل إلى يداي نتاجهم) تواصلت معهم أثنيت على نجاحهم، سعدت بهم كإماراتية أولاً وكقارئة ثانياً وكإنسان شغوف كغيري بالأصالة والرصانة والمعاني الجميلة في الأدب وحيثما كان، وهنا علينا أن نقف كثيراً عند مقولة الأدب الرصين، والأدب البسيط كما يشيع البعض، حيث يقول البعض إن الرصانة في الأدب والمعرفة مرتبطة بالصعوبة والتعقيد، وهذه أمور لا تجذب القارئ الصغير (الشباب والمراهقين الصغار)، وأن الروايات الخفيفة البسيطة الخالية من أي فكر وثقافة ومعنى هي الأنسب لهم والأقرب لعالمهم ولأعمارهم، وهو قول ينفيه رواج أعمال إماراتية بسيطة وخفيفة وقريبة لذائقة الشباب الصغار، لكنها راشحة بالمعاني والأصالة والعمق. إننا في هذه المرحلة من تصدينا لصناعة النشر نصنع ذائقة جيل كامل.. يا لها من مسؤولية مرعبة!