محمد بن هويدن
العلاقة الخليجية الأميركية علاقة استراتيجية منذ نشأة الدول الخليجية ككيانات مستقلة في فترة ما بعد خروج الإنجليز من المنطقة.
عين واشنطن كانت دائماً على الكنز الثمين الذي تمتلكه دول الخليج العربي والمتمثل في النفط، فيما كانت أعين دول الخليج العربية دائماً نحو المحافظة على أمن المنطقة من التهديدات الخارجية التي تحوم من حولها. فهذه الثنائية ظلت دائماً هي الحاكمة في العلاقة القائمة بين الطرفين.
إلا أن هذه العلاقة ظلت تغطيها بين فترة وأخرى معضلة أمنية هامة وحساسة تستشعرها دول الخليج العربي بالدرجة الأولى في علاقتها مع واشنطن، وأصبحت هذه المعضلة تهيمن على العقلية الخليجية سواء كانت على المستوى الرسمي من أفراد صنع القرار السياسي أو غير الرسمي المتمثل في تفكير المحللين والمتابعين للشأن السياسي والإستراتيجي الخليجي.
هذه المعضلة مردها بالدرجة الأولى التفسير الذي قدمه أحد أبرز متخصصي العلاقات الدولية ومنظريها الدكتور جلن سنايدر في العلاقة التحالفية بين الطرف القوي مع الطرف الضعيف في التحالف، وهو التفسير الذي لا بد أن يدرسه المتخصص في شأن العلاقات الدولية لفهم التحالفات الدولية.
لقد تحدث سنايدر عن أن العلاقة بين الدولة القوية في التحالف مع الدولة الضعيفة فيه يسودها شعور لدى الدولة الضعيفة بأنها أمام أحد الخيارين إما السقوط في الفخ من جراء سياسات الدولة الحليفة القوية أو تخلي الدولة القوية عن الدولة الحليفة الضعيفة.
بمعنى آخر أن الدولة الضعيفة تخشى دائماً من أن علاقتها التحالفية بالدولة القوية قد تُدخلها في مشكلات وأزمات مع أطراف أخرى تُعاديها الدولة القوية ولكن قادرة على أن تهدد الدولة الضعيفة أو قد تودي بها إلى تخلي الدولة القوية عنها لصالح تفاهمات مع الدولة الخصم للدولة الضعيفة.
هذا الإحساس هو ما تشعر به الدول الخليجية في علاقتها مع واشنطن. فهي من جهة تخشى أن علاقتها التحالفية مع واشنطن ستدخلها في حالة عداوات مع دول محورية في منطقتها الإقليمية أو قد يؤدي بها إلى أن تتخلى واشنطن عنها. هذا الإحساس هو السائد بشكل واضح ومنذ فترة في علاقة دول الخليج مع واشنطن، وهو ما يثير القلق والشبهات لدى الطرف الخليجي في علاقته مع الطرف الأميركي.
فعندما كانت واشنطن متشددة في تعاملها مع إيران وكانت ترفع راية المواجهة معها كانت دول الخليج دائماً ما تخشى من أن الولايات المتحدة تزج بدول الخليج الحليفة لها في دوامة الصراع والمواجهة مع إيران ويجعلها ذلك عرضة إلى أن يُهدد أمنها واستقرارها من قبل إيران.
فالولايات المتحدة الحليف القوي لدول الخليج يمكنه في هذه الحالة الزج بدول الخليج في مشكلات مع قوى إقليمية مثل إيران وبالتالي تهديد الأمن لمثل تلك الدول، وهذا الشعور ظل سائداً لدى دول الخليج في طوال فترات المواجهة الأميركية مع إيران.
وعلى الجانب الآخر فإن حالة التحالف مع الولايات المتحدة تؤدي في بعض الأحيان إلى الشعور بأن واشنطن ستتخلى عن دول الخليج العربي، وهذا الإحساس يبدأ في البروز عندما تحس الدولة الضعيفة في التحالف تقارباً ما يتم بين الدولة القوية في التحالف مع دولة أخرى تُعتبر مهددة لأمن الدولة الضعيفة.
وهذا هو حال دول الخليج العربية في علاقتها مع واشنطن بخصوص العلاقة مع إيران. فدول الخليج تتخوف من أن واشنطن تتخلى أو ستتخلى عنهم لصالح التقارب مع إيران، وهذا الإحساس بدأ يبرز بشكل واضح مع التقارب الأميركي الإيراني لاسيما مع سياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما تجاه إيران التي تظهر درجة عالية من الرغبة نحو التودد والتلطف بهدف التقرب إلى إيران.
لاسيما في مسألة البرنامج النووي الإيراني، واتفاق الإطار التمهيدي الذي تم التوصل إليه، والاتفاق النهائي الذي من الممكن أن يأتي في المستقبل القريب.
إن دول الخليج في هذه العلاقة التحالفية تخشى من أن هذا التقارب يأتي على حسابها وبالتالي تتخلى عنها واشنطن لصالح ترتيبات جديدة مع إيران تكون فيها دول الخليج هي الخاسرة في مثل هذه الترتيبات.
إن معضلة الفخ أو التخلي معضلة حقيقية في علاقة دول الخليج العربية التحالفية مع واشنطن، إلا أنها أيضاً ومن خلال متابعة مجريات العلاقات الدولية نلحظها جلياً حاضرة في علاقة واشنطن التحالفية مع كل الأطراف الدولية المتحالفة مع واشنطن.
بل إنها حاضرة في طبيعة العلاقات القائمة بين الحلفاء جميعاً، وبالتالي يمكن لدول الخليج أن تتعلم كيف تتعامل مع مثل هذه المعضلة في علاقتها مع واشنطن من خلال دراسة حال التحالفات القائمة بين واشنطن ودول العالم الأخرى الحليفة لها.