عائشة سلطان
طرف الخيط جاء من «تغريدة» كتبتها إحدى المطربات، اتهمت فيها الإعلام العربي بالفساد وقد وضعت المطربة نسبة عربية شهيرة اقتبستها من عالم السياسة العربية، فزعمت أن نسبة الفساد تصل إلى 99,9% مشفوعة بعبارة تقليدية «إلا من رحم ربي» ومن رحم الله من الفساد يقعون في حيز الـ 0,1% فقط ، وهنا فنحن لا نناقش مجرد فساد في الإعلام العربي ولكننا أمام انهيار كلي لمنظومة الإعلام المتآكل فساد حتى النخاع بحسب المطربة المذكورة، وهو اتهام لم يكلف هذا الإعلام نفسه الرد عليه وذلك لسببين لا غير: فإما أن رأي تلك المطربة صحيح ومسلّم به وغير قابل للنقاش، وإما أن كلامها ليس بذي قيمة ولا يستحق الرد من الأساس، وهذا أقرب الاحتمالات للمنطق!
على أي حال، فإننا جميعاً نعلم أن منظومات كثيرة في الوطن العربي تعاني ترهلاً وتهاوياً وفساداً في المقاييس والمعايير والأخلاقيات والإعلام أحدها، وأن هذا التردي هو ما قاد إلى حالة التشرذم والفرقة والتخلف الذي يقبع فيه الوطن العربي منذ عقود، والإعلام بلا شك هو في نهاية الأمر مرآة للواقع وإفراز له، وهو ضعيف على مستوى الآليات والتقنيات والأخلاقيات والأداء والبرامج، وفي هذا لم تأتِ مطربتنا بجديد، هي وصفت حالاً نعرفها جميعاً، لكن الجرأة في التعميم والتصريح بنسبة محددة هي الكارثة، فرغم التردي إلا أن الجيد في الإعلام وبين الإعلاميين العرب أكبر بكثير من 0,1% بلا شك، هناك قامات كبيرة في هذا الإعلام، وأسماء عريقة نحترمها ونقدرها ونتعلم من تجربتها، كما أن هناك نتاجات جيدة، لا يجوز تجاوزها أو التطاول عليها بهذا الشكل.
الغريب أن هذا الحكم يطلق على الإعلام العربي بينما نودع نحن هنا في الإمارات مهرجاناً ثقافياً ومحفلاً إعلامياً بامتياز هو معرض أبوظبي للكتاب كان فيه الإعلام حاضراً بقوة، وفي الوقت نفسه نتحضر لمنتدى الإعلام العربي وتوزيع جوائز الصحافة العربية في دبي التي يرعاها مباشرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بحضور نخبة الإعلام العربي وأكثر أسماء هذا الإعلام عراقة وقوة وحضوراً في المشهد العربي ومنذ سنواتطويلة، ومنهم من سيقف مكرماً إثر مسيرة نضال حقيقية في بلاط صاحبة الجلالة السلطة الرابعة «الصحافة» التي شكلت الرافعة الأولى والأهم في دعم مسيرة كل الفنانين والنجوم في مختلف المجالات بمن فيهم هذه المطربة التي لولا هذا الإعلام لما كانت شيئاً مذكوراً حتى بموهبتها وصوتها وكل ما تملك.
التعميم لدى أهل المنهج العلمي خطيئة فادحة، ولدى أغلبنا من عامة الناس ومثقفيهم سلوك غير مقبول وطريقة تفكير انفعالية، حيث لا يجوز ولا يعقل أن يهاجم الإعلام العربي كله (99,9%) ويتهم بالفساد كله، لأنه هاجم فنانة بسبب فيلم أجمع النقاد على سوئه وعدم اتساقه مع الذوق ومنظومة قيم المجتمع، وهنا نؤكد أن للإعلام دوراً خطيراً ومهماً، وأن المصداقية مهمة وضرورية، وأن الإعلام كأي مؤسسة فيها الصالح وفيها الطالح، لكن الحكم بفسادها المطلق لا يجوز ولا يقبل أبداً ولا يجب أن يمر هكذا، ليس كرد انفعالي أبداً، ولكن لأن كلام بعض الفنانين يمكن أن يؤثر في جموع الشباب الذين يتبعونهم على مواقع التواصل، ويصدقون ما يدلون به من تصريحات رنانة!