سامي الريامي
بعد يوم واحد من نشر خبر مصرع طفل إماراتي بصعق كهربائي أثناء محاولته شرب الماء من براد، حدثني المخترع أحمد مجان، وهو شديد التأثر بالحادثة، وأثناء الكلام عن الحادثة قاطعني قائلاً: «أوعدك أن أبذل جهدي كي لا تتكرر مع أي شخص آخر»، وقبل نهاية المكالمة التي استغرقت أقل من 10 دقائق كان الحل حاضراً في ذهن «بوعبدالله»، فقال ممازحاً «الله يسامحك حملتني مسؤولية إضافية، وعليّ الآن أن أترك كل شيء لتنفيذ الفكرة»!
وهكذا كانت بداية فكرة ثلاجة «الآمن»، وتلت الفكرة مرحلة التنفيذ، حيث دخل أحمد مجان ورشته لمدة 15 يوماً من العمل المتواصل، ليخرج بعدها بابتكار براد ماء يعمل بالطاقة الشمسية، ويتكون من وعاءين من الفخار يحيط بهما جهاز تبريد مثبت أعلى الجهاز، ويستمد طاقته من خلايا للطاقة الشمسية، والابتكار يعمل آلياً بمجرد أن يستشعر وجود يد أمامه، فتنزل المياه دون الحاجة إلى فتح صنبور، كما تتوقف بمجرد إزالة اليد.
لا أجمل ولا أروع ولا أهم من وجود عقل يفكر في إيجاد حلول فورية لمشكلات المجتمع، ولا أفضل من وجود شريحة من الموهوبين والمخترعين من أبناء البلد، يتفاعلون مع البيئة المحلية، ويركزون اختراعاتهم في أمور تخدم الوطن وأبناءه وتفيدهم، اختراعاتهم دائماً ما تلامس القلوب لأنها وليدة اللحظة التي نعيشها هنا، فتأتي متناسبة مع احتياجات المجتمع مهما كانت بسيطة.
أحمد مجان هو أحد هؤلاء المخترعين المميزين، ليس على المستوى المحلي بل العالمي، وحاز كثيراً من الجوائز العالمية، وهو بحق مفخرة لنا، ولكن نريد أن نفخر أكثر وأكثر بـ«تفريخ» عدد من المخترعين والموهوبين، نريد مزيداً من الاهتمام بصقل مواهب المتميزين منذ الصغر، فلابد من برامج ومعاهد ومراكز لتفريخ المخترعين والموهوبين تنتشر بشكل موازٍ ومساوٍ للمراكز الرياضية التي تسعى إلى تفريخ لاعبي كرة القدم، لابد من ذلك، لا نهدف إلى المقارنة، ولكن لابد من توزيع الاهتمام بالتساوي على أقل تقدير!
أحمد مجان شخص واحد، لكنه أثر إيجاباً في محيطه ومدينته ومجتمعه ووطنه، فكيف ستكون الحال لو عملت الدولة على تفريخ 100 مخترع خلال 10 أو 20 عاماً، ووضعت خططاً وبرامج من أجل صقلهم، وتوفير متطلباتهم واحتياجاتهم، ودعمهم محلياً ودولياً، لا شك في أنهم سيغيرون المجتمع، ولا شك في أنهم سيصبحون ثروة قومية لا تقدر بمال!
ليس ذلك ضرباً من الخيال، فالمدارس والجامعات تزخر بالكفاءات والعقليات المميزة، وأحمد مجان بنفسه استغرب وجود مستويات عالية جداً من المتميزين في جامعة خليفة مثلاً خلال محاضرة ألقاها هناك، وهناك معاهد وكليات أيضاً مملوءة بالموهوبين والمتميزين، لكنهم جميعاً يبحثون عن فرصة، وإن لم يجدوها فلا شك في أنهم سيتحولون من مشروع علماء ومخترعين إلى موظفين حكوميين عاديين.
نحتاج إلى دراسة هذا الأمر جيداً، والخروج بأفكار قابلة للتنفيذ، من أجل تخصيص معاهد أو مراكز خاصة للموهوبين والمخترعين تحتويهم من طفولتهم، يتعلمون بها ويتخرجون فيها، ومن غير المهم أن ينخرطوا في مدارس ومناهج تقليدية، بل لابد من تصميم مناهج خاصة بهم، تساعدهم على زيادة مداركهم وتفتح عقولهم نحو الاختراعات، ليس ذلك صعباً بقدر ما هو مهم وحيوي، فسنوات التعليم الماضية لم تنتج لنا كثيراً من المخترعين، فلمَ لا نركز في السنوات المقبلة على تفريخهم، خصوصاً مع وجود عقليات شبابية مميزة، وقابلة للتطوير؟!