أحمد عبد الملك
نشرت جريدة الرأي الكويتية يوم 1-5-2014 خبراً عن إدخال وزارة التربية لـ(الآيباد) في المدارس معلنة انتهاء إرث قديم من المناهج وطرق التدريس في ظل التكنولوجيا الحديثة، فيما حذّر تربويون من خطورة هذا الاستخدام لـ (الآيباد) الذي من شأنه «إلغاء عقل الطالب وإعدام خصائص التفكير لديه بدخول هذا الجهاز واعتماده عاملاً أساسياً في عملية التعليم». وأضافوا أن استخدام هذا الجهاز من قبل متعلمي المرحلة الابتدائية سوف يُنتج جيلاً مُشتتاً عقلياً وسوف تنخفض حاسية الانتباه والتركيز بشكل كبير لديهم، ويتوقعون الحصول على كل شيء بسهولة دون التفكير في الحلول.
إن انبهار دول العالم الثالث بالتكنولوجيا قد وصل إلى حد كبير، الأمر الذي أصبح يهدد أُسسَ التعامل مع هذه التكنولوجيا، فالطالب عندما لا يتأسس بطريقة سليمة لمعرفة الحروف والأرقام والأشكال والألوان، بل يجدها « جاهزة» وبكل سهولة على الجهاز، لا يمكن أن تثبت صورة الحرف أو الشكل في عقله.
والطالب الذي لا يُمسك القلم ويتدرب على شكل الحرف ومكان اللون وكيفية تشكيل الجُملة، بل والطالب الموهوب الذي يريد أن يكون رساماً في المستقبل إن لم يمسك القلم والريشة بيديه، فإنه سوف يهمل تلك الموهبة بسبب (الآيباد) وتكون حصيلته المعرفية حتى في التعبير محدودة، وهذا أيضاً يتعلق بعملية النطق السليم للحروف والكلمات، والذي لا ينطق جيداً أيضاً لن ينطق سور القرآن الكريم في الصلاة جيداً!؟
والطالب الذي يتعلم شكل الحرف من الجهاز لن يعرف طريقة نُطقه، حتى وإن كان في الجهاز صوت مصاحب، لأن الإنسان كائن اتصالي، ولا يمكن للجهاز أن يوصل المعلومة – في السن الحديثة – كما يفعل المدرس (الإنسان الاتصالي الآخر). وبالتالي فإن الطلبة – في هذه العملية – سيتعلمون «بصرياً» لامعرفياً على شكل الحرف، ولكنهم في ذات الوقت لن يستطيعوا نطقه إذا ما اشتبك مع حروف أخرى، خصوصاً في اللغة العربية التي تتشابه حروفها ويلتبس نطقها مثل: السين والشين، الغين والقاف، اللام والكاف، الضاد والظاء والطاء والظاء..وغيرها.
ومن إشكالية استخدام (الآيباد) في التعليم أن الطالب – أو حتى عندما كان طفلاً – يعتمد هذا الجهاز وسيلة ترفيه للألعاب والقصص والكرتون، وكونه يظل بيد الطالب، الذي تعوّد على ذلك الاستخدام، فإنه سيستغله لذات الغرض، ولا نستبعد أن يتحول الفصل الدراسي إلى روضة متقدمة، يفتح كل طالب جهازه على القصة أو الكرتون أو الأغنية التي تعجبه، دون الالتفات للدرس المقرر. كما أن استخدام هذا الجهاز يُضعف الموهبة لدى الطالب في الخيال أو في الابتكار أو القدرة على القراءة التقليدية إن أراد أن يغوص في كتب التاريخ أو الأدب، مع التقدير بأنه يمكن نقل تلك الكتب على الجهاز، لأن الشكل الطبيعي للتذكُر أو المذاكرة يظل أكثر عمقاً ونفعاً من الأسلوب التكنولوجي الذي يفقد الطالب التركيز، طالما أن هنالك قصصا ومغامرات وكرتونا على ذات الجهاز.
نحن مع مجاراة التقدم التكنولوجي، ومع إدخال المخرجات الجديدة في التعليم، ولكن ليس في مرحلة التأسيس التي لا يعرف الطالب فيها شكل الحروف الأبجدية ولا طرق ربطها أو نطقها.
ونحن مع التقدم التكنولوجي، إذ حتى في الولايات المتحدة ودول الغرب لم تكن لتقفزَ فوق الاعتبارات الإنسانية – التي لا بد منها – وتتباهي بأنها تُضَمِّنَ التكنولوجيا في التعليم، قبل تأسيس طلابها على الشكل التقليدي في الحفظ وتذّكر الحروف الأبجدية ودلالات تركيب الجُمل ودور ذلك في النطق السليم، ناهيك عن النحو الصحيح.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال السماح لطالب «أُميّ» أن يتعامل مع التكنولوجيا قبل محو أميته الأبجدية، أي تعليمه التعليم الأساسي الذي يجعله قادراً على فك رموز الحياة بكل تضاعيفها.
نحن نعاني من المبالغة والاندفاع نحو كل ما هو جديد، لأننا درجنا على التقليد والتمظهر حتى وإن طال قيمنا وسلوكياتنا، فما بالكم عندما يتأسس التعليم الأساسي على أساس ضعيف وغير مجدٍ في المستقبل بحيث يفقد الطالب هويته الوطنية وينفصل عن تراثه وأدبه المعرفي!؟ مسؤولو التعليم عليهم واجبات عديدة ومُستحقة للمجتمع، وإن كنا – مع المرحلة التقليدية – نعاني في المرحلة الجامعية من تدني مستوى الطلبة والطالبات في (التعبير) والإنشاء السليم نحوياً والثري إبداعياً وخيالاً، فما بالكم لو رمى الطالب القلم واستعاض عنه بالنقر على الجهاز!؟
المرحلة الابتدائية مرحلة تأسيس للطالب ولا يجوز أن تتشوه بجعل الطالب يتعلم آلياً دون عاطفة ودون إحساس ودون معرفة وحميمية مع القلم.
وفي هذه المرحلة تبرز خطورة عدم التلقي السليم للطالب، خصوصاً والطالب لدينا يعاني ضعفاً في اللغة العربية بحكم تربيته على يد شغالة أجنبية، لا يكتسب منها الثقافة فحسب، بل اللغة التي تُضعف لغته الأصلية، بل لا يكاد ينطق لغته الأصلية المحلية، بما بالكم باللغة العربية الفصحى التي هي لغة العلم والأدب.
وهذا الطالب الذي لا يعرف مسكة القلم، كيف سيوقع المعاملات، بل وكيف سيكتب الشيك بمبلغ (مليوني وخمسمائة وخمسة وأربعين ألف دينار) – ليت الشيك باسمي – إن كان أحد الأثرياء ويعمل مديراً في شركة والده، هل سيأتي بـ (الآيباد) ليكتب الرقم بدلاً عنه !؟ ثم إن كان لا يعرف مدلول الرقم، فإن الشركة سوف تذهب (في داهية) !؟