علي أبو الريش
تعجز الكلمات أن تفك شفرة العجز الإنساني في مواجهة بعض الأحداث المزلزلة، ودبا
الفجيرة العامرة بهدوئها، الساهرة على حراسة غابة الموج، المسافرة في سفن سكونها،
وحسنها، وأناقة تضاريسها الوارفة بالحب، هذه المدينة وجدت نفسها تقتل أوراق أشجارها
اليافعة، وتحدق في مشهد مروع، إذ اكتشفت بعض الأسر أن خادمها والذي أنيطت به أمانة
رعاية الوالد المسن، يسوطه أشد العذابات ويشرِّح جسده المنهك بالعصا ويفرض عليه
حصار تجويع، وترويع، وتركيع، ويعامله بوحشية لا تنتمي إلى الجنس البشري.
من شاهد الصور التلفزيونية لا بد وأنه يطرح أسئلة بسعة المشاعر الإنسانية وبحجم
الجبال المطوَّقة تلك التضاريس التي تحتضن ذلك المسن المسكين.. والسؤال الأهم الذي
يطرأ على البال أولاً هو لماذا ندع آباءنا وأمهاتنا بين أيدٍ لا تمت لنا بصلة.. فمن
الممكن أن نستأجر سبَّاكاً أو نجاراً، أو بناءً، أو زبالاً، لكن أن نستأجر من يربي
أبناءنا أو يرعى مسنينا، فهذا ما لا يخطر على بال بشر، ولا يقبله عاقل ولا حتى من
فقد البصيرة، والبصر.
فقد نسمع أعذاراً وقد يتخلَّى من يقوم بهذا السلوك عن
مسؤوليته تجاه الأبناء أو المسنين، ويلقي الأعباء على الخدم «الأشرار».. ولكن، كل
هذه المسوغات بالية خالية من المعنى والمضمون، لأنه ما من كائن مهما كان ويكون لا
يمكن أن يعوَّض الأهل في خدمة ذويهم، إضافة إلى ذلك، فإن هذه الشرائح التي نستوردها
لخدمتنا، جاءت من أماكن وثقافات مشحونة بقمامة من الأفكار والضغائن، فأحسنهم سيئ
إلى درجة الانحطاط.
فلماذا لا تقتنع الأسر، وتفكر بإنسانية تججاه من يحتاجها من
الأبناء أو الآباء.. لماذا ضاقت الصدور واسودت القلوب وأصبحت لا تطيق التقرب ممن هم
في أمس الحاجة إلى الدفء والحنان قبل الشرب والطعام، وهذا ما تفكر به بعض الأسر،
معتبرة أن توفير الخادم، وتسخير الإمكانيات المادية، هو أقصى ما يحتاجه من هو في
حاجة إلى أهم من ذلك كله ألا وهو الصدور الرحبة، والقلوب الأوسع من «المولات»
والعيون التي تتكحل يومياً من ماء عيون من أعقدهم الزمن، وأراق صحتهم وأنهك
عافيتهم.
يا جماعة الخير، الجنَّة تحت أقدام هؤلاء، الخير والرحمة يأتيان من بين
كفوف هؤلاء الممتدة بالدعاء لكل من يسدي لهم خدمة، وكل من يعطف عليهم، ويقوم
برعايتهم، وتأكدوا جيداً من يتخلَّى عن محتاجيه اليوم سيحتاج غداً إلى من يرعاه ولن
يجد.. فكما تدين تُدان والديَّان لا يموت.. ويجب ألا ننسى فضل هؤلاء يوم كنّا أضعف
من جناح ذبابة.