عائشة المري
نجح وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في التوصل إلى تسوية مبدئية للخلاف
في البيت الخليجي في الاجتماع الذي عقد بالرياض في السابع عشر من الشهر الجاري وفي
وضع إطار للتسوية السياسية في محاولة لاحتواء تبعات الخلافات بين قطر وكل من دولة
الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين بعد قيامها
بسحب سفرائها من الدوحة احتجاجاً على السياسات القطرية التي اعتبروها تشكل تهديداً
للأمن القومي وللمصالح الوطنية. ورغم الغموض الدبلوماسي الذي غلف الاتفاق إلا أنه
بالتأكيد يشكل إطاراً جديداً لصياغة العلاقات الخليجية ويضع ضوابط للعلاقات بين قطر
وبقية جيرانها في دول الخليج، ويؤسس لسابقة سياسية بين دول مجلس التعاون، فالخلاف
والاتفاق في المنظومات السياسية كمنظومة دول مجلس التعاون حقيقة واقعية والخلافات
العلنية بين دول مجلس التعاون متشعبة وعريضة ولكن الخلافات والاختلافات ظلت في نطاق
البيت الخليجي حتى تفجر الخلاف الثلاثي الأخير بين الإمارات والسعودية والبحرين من
جهة وقطر من جهة أخرى فكان الأقوى والأخطر بعد أن تشكلت نذر انهيار البيت الخليجي
من الداخل.
يشير اتفاق المصالحة الخليجي إلى أن الوزراء اتفقوا «على تبني الآليات التي تكفل
السير في إطار جماعي، ولئلا تؤثر سياسات أي من دول المجلس على مصالح وأمن واستقرار
دوله ومن دون المساس بسيادة أي من دوله» و«أكدوا موافقة دولهم على آلية تنفيذ وثيقة
الرياض التي تستند إلى المبادئ الواردة في النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول
الخليج العربية». أي أن البعد الأمني السياسي كان مسيطراً على الخلاف والاتفاق وأن
مجلس التعاون الخليجي سيبقى المظلة الخليجية التي ستظل تحتوي الخلافات الخليجية
وتطفئ الأزمات البينية. مبدئياً يمكن الإشارة إلى عدد من النقاط المحورية، أولاً
تشير لهجة الاتفاق إلى عدم الاتفاق بصورة نهائية حول المسائل الخلافية المعلنة وغير
المعلنة، ولكن هناك توافقاً بين دول مجلس التعاون على الاتفاق والمصالحة. ثانياً
يتضح عمق الخلافات والمسائل العالقة وتراكمها وصولاً للنقطة الحالية، حيث بقيت
الأزمة تتفاعل خلف الكواليس حتى ظهرت على السطح بصورتها الصادمة للمواطن الخليجي
غير المعني بالشأن السياسي مع سحب السفراء والتصعيد الإعلامي. ثالثاً أن التوافقات
الخليجية على البنود الخلافية تحتاج لفترة زمنية كافية لتنفيذها ولإجراءات بناء ثقة
تعزز من خيار المصالحة وتغلب الحلول على المشكلات. رابعاً، ضبابية العبارات قد تفتح
الطريق على التأويلات والاحتمالات حيث يورد البيان «أنه تم الاتفاق على أهمية
التنفيذ الدقيق لما تم الالتزام به» من دون إيضاح على ماذا تم الاتفاق ولا ماهية
التنفيذ الدقيق وماهية الالتزامات المشتررة. وأخيراً لم يتطرق البيان إلى إعادة
سفراء كل من الإمارات والسعودية والبحرين إلى قطر بعد أن كان تم استدعاؤهم من قبل
بلدانهم في الخامس من مارس الماضي، ولكن يبقى التفاؤل خياراً واقعياً في ظل
المنظومة الخليجية القائمة على وحدة الجذور الشعبية ووحدة التاريخ والمصالح
المشتركة.
إن ترميم العلاقات الخليجية يحتاج لتوافقات مشتركة على أهمية بقاء البيت الخليجي،
وإن الخلافات السياسية يمكن التوصل إلى توافقات حولها مقبولة بتقديم التنازلات
المشتركة، ولعل أول إجراءات بناء الثقة وإظهار حسن النية يتمثل في إيقاف الحملات
الإعلامية في الدول الخليجية تجاه بعضها بعضاً ووقف إطلاق النار المتبادل في مواقع
التواصل الاجتماعي الذي بلغ لحد الإساءات الشخصية ولدرجة «شيطنة» الآخر ناسين أو
متناسين أن السياسة فن الممكن وأن الخلافات السياسية بين الشعوب الخليجية يجب أن
تبقى في كواليس السياسة ولا تتعداها.
تدرك دول الخليج العربية أهمية بقاء والمحافظة على البيت الخليجي وعلى مظلة
التوافقات السياسية فللاستقرار ثمن، والمحافظة على الأمن الوطني أولوية، ولاستقرار
المنظومة الخليجية أهمية عربية ودولية تدركها دول الخليج، ولاشك أن احتواء الخلافات
الخليجية ودفع المنطقة باتجاه الاستقرار هو أولوية استراتيجية للجميع.