أحمد عبد الملك
في لقاءٍ له مع جريدة «الوطن» القطرية، تحدث "منير المادري" عضو الحوار الوطني اليمني عن الأوضاع في اليمن وكان مثيراً أن يقول: «ربما يُضطر الرئيس اليمني الحالي إلى أن يتحول إلى ديكتاتور إذا وجد الأمر مناسباً». وأجاب رداً على سؤال مؤداه: هل هنالك بوادر تحوّل الرئيس هادي إلى ديكتاتور؟ قائلاً: «نحن نتمنى ذلك، لكنه لا يريد!؟ حتى الديمقراطية الحقيقية هي نوع من ديكتاتورية القانون»!
إن تلك الإجابة مثيرة حقاً، خصوصاً في ظل التحولات السياسية في العالم العربي، والتي أطاحت بأنظمة ديكتاتورية راسخة في كل من: تونس، ليبيا، مصر، اليمن، ومن قبلها العراق الذي كانت له قصة أخرى، حيث يوجد الآن من «يتباكون» على أيام صدام حسين، والذي يرون أنها أفضل ألف مرة من حالة العراق اليوم، من حيث فقدان الأمن وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وغياب دولة القانون، ونشوء النزاعات الطائفية التي شقت الصف الوطني وتحولت إلى عنف يمارس كل لحظة.
والديكتاتورية هي شكل من أشكال الحكم يحتفظ الحاكم وحده بجميع أدوات السلطة! وكلمة ديكتاتورية جاءت في الأصل من Dictate أي الإملاء أو الفرض. ولقد وجدت منذ عهد الرومان، حيث احتفظ كل حاكم روماني بسلطة مطلقة في زمن الطوارئ، وكان يحصل على تشريع مسبّق من مجلس الشيوخ بمنحه هذا المنصب. أما في العصر الحديث، فالمفهوم يعني تجميع السلطات كلها بيد شخص واحد، تحت معنى الديكتاتورية من دون أي التزام بالدستور أو القوانين، ولهذا غلب على العديد من الأنظمة بعد الحرب العالمية الثانية أن تحولت إلى ديكتاتوريات عسكرية، نظراً لكثرة الحوادث والاختلالات الأمنية وأيضاً تعاقب الانقلابات العسكرية.
ولقد أفرزت الحكومات الديكتاتورية وفرضت ملامح الاستبداد والظلم والقهر وغياب مبادئ تكافؤ الفرص، وغلبة الأمر المطلق، على أساس أن الحاكم هو أب للجميع، ومن حقه أن يحكم حكماً استبدادياً، انطلاقاً من المعنى اليوناني للاستبداد وهو (رب الأسرة)، وبالتالي لا يجوز الاعتراض على أمره، وطاعته واجبة.
وعلى سبيل المثال ما يجري اليوم في العراق، حيث رأى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي –خلال زيارته الأخيرة للبصرة- أن العراق بحاجة إلى نظام يؤكد الأغلبية الحاكمة بدل المشاركة السياسية، وهو يعني إبعاد المعارضة –وهي الجماعة السنية في العراق- عن المشاركة في الحكم. وقوله: إن التغيّر في النظام السياسي هو التحول إلى نظام الأغلبية السياسية، بدلاً من الشراكة!
ولعل القارئ الكريم يتذكر خطابات الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وعزفه المتكرر على الديمقراطية، وبناء دولة المؤسسات، حيث ظل أكثر من ثلاثين عاماً وهو يحكم –بديكتاتورية الحزب الوطني– دون السماح للمعارضة بأي شكل من أشكال الشراكة لا في القرار السياسي ولا في القرار الاقتصادي. كما نستحضر أقوال الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وأحاديثه المتكررة عن الديمقراطية وحكم الشعب، وهو يمارس أعتى ديكتاتورية في العالم. وكان يحكم بالحديد والنار ولم يكن يستمع لأحد، ومع سقوطه سقط كتابه "الأخضر" الذي لم يجلب الخضرة لا لروح الليبيين ولا لأرضهم. ونتذكر أيضاً الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي لم يستطع كبح جماح ذويه في الاستئثار بالثروة والمكانة والمناصب، وتعرقل مشاريع التنمية، نتيجة (طلبات العمولاتت) التي يمارسها الذين يتحلقون حول الحكم، لقاء الموافقة على تنفيذ المشاريع التنموية الخارجية، ولقد تحدث كثير من المستثمرين الخليجيين في هذا الأمر. ووصل الأمر إلى حد تسمية أحد المسؤولين في اليمن (... 25%)؟! ناهيك عن عدم قدرته على المحافظة على "عدالة" الوحدة مع الشطر الجنوبي، وفشله في وضع حلول للاختلالات الأمنية سواء مع "القاعدة" أو مع "الحوثيين"!
ونستذكر أيضاً (بشار الأسد) الذي لم يحاول الخروج من (جلباب أبيه)، وظل يحكم البلاد بالجواسيس وطوارق الليل، حيث عاش الشعب السوري في ذلٍ في النهار وهمٍ في الليل ولكأنه مدينٌ للسلطة، ولا بد من وفائه بالدَين، وكان الدَين هو حريته وكرامته! وعندما قامت الثورة، ونظراً للأسلوب الديكتاتوري الاستبدادي، لم يتفهم الأسد منطق التاريخ، وتعامل مع الظروف المحيطة به كما يتعامل الأسد في الغابة –أي من منطق القوة– مستخدماً القمع وبراميل النار، ودكِّ البيوت على من فيها، ولم يرف له جفن لستة ملايين مهاجر في العراء من أبناء شعبه، بحيث يعيش بعضهم تحت ذلِ الطبيعة وذلِ العوز والحاجة. وتوجد حالات لديكتاتوريات أخرى في العالم العربي، يتعين دراستها وتحليلها.
الديكتاتور لا يرى إلا نفسه في الإطار! ويتشكل عقله وآراء خبرائه على ضرورة المحافظة على ذلك الشكل داخل الإطار، ولو فنى كل الشعب.
صحيح توجد حالات في العالم العربي تؤكد أن الشعب لا يحكمه إلا ديكتاتور! ولربما انطلق السياسي اليمني من هذا المنطلق، ولكن الديكتاتورية لا تصنع شعباً، ولا تؤسس مؤسسات، ولا تخطط لمستقبل الشعوب. وتظل الديمقراطية الواحة الوارفة التي تجمع كل أطياف المجتمع، وتحافظ على حقوقهم وكرامتهم الإنسانية.