قال المستشار القانوني والقضائي محمد بن صقر الزعابي، إن السلطات الإمارات تستخدم ضد معتقلي الرأي "الاعتقال الإداري"، وهو من أبشع أنواع الاعتقال التي عرفتها البشرية على مدار التاريخ، كونه من أكثر الاعتقالات هشاشة من الناحية القانونية، والأسوأ تأثيراً على صحة المعتقل النفسية.
وأشار في مقاله له بعنوان:" ممارسة الاعتقال لأجل غير مسمى في الإمارات" نشرها مركز مناصرة معتقلي الإمارات، إلى مواصلة السلطات الإماراتية اعتقال 19 من معتقلي الرأي بحجة المناصحة، على الرغم من عدم اعتقالهم بتهم ذات صلة بالإرهاب.
وأكد المستشار القانوني والقضائي أن القانون الدولي لا يسمح بالاعتقال الإداري إلا لمدد قصيرة ومحددة وفي ظروف استثنائية فقط.
ولفت إلى أن الاعتقال الإداري الذي تمارسه الإمارات بحق معتقلي الرأي، كان قد بدأ في الظهور بشكل أساسي خلال فترات الحروب، ثم تحول إلى ممارسة شائعة لدى بعض الأنظمة القمعية، ويتم ممارسته حالياً على نطاق واسع من الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين.
وقد ذكرت "لجنة حقوق الإنسان" التابعة للأمم المتحدة، في تعليقها العام على المادة التاسعة من "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" أنه "إذا تم، في ظل أكثر الظروف استثنائية، التذرع بتهديد حالي ومباشر وضروري لتبرير احتجاز الأشخاص الذين يُعتبر أنهم يمثلون هذا التهديد، يقع عبء الإثبات على عاتق الدول الأطراف لإظهار أن الفرد يشكل مثل هذا التهديد وأنه لا يمكن معالجته بتدابير بديلة، وأن هذا العبء يزداد مع طول مدة الاحتجاز.
وحسب اللجنة، فإن الدول الأطراف تحتاج أيضا إلى إظهار أن الاحتجاز لا يدوم أكثر من اللازم، وأن المدة الإجمالية للاحتجاز المحتمل محدودة وأنها تحترم بشكل كامل الضمانات المنصوص عليها في المادة 9 في جميع الحالات".
ووفقا للمستشار القانوني الزعابي، فإن السلطات الإماراتية انضمت منذ عام 2014 إلى نادي الدول التي تمارس هذا النوع من الاعتقال حين أقرت قانون مكافحة الجرائم الإرهابية الذي يسمح لها باحتجاز الأفراد لأجل غير مسمى إذا كانوا يشكلون "خطورة إرهابية" وتحت بند "المناصحة" والذي يأتي بعبارات فضفاضة يتم استخدامها لتسهيل عملية الاحتجاز التعسفي أمام الرأي العام المحلي أو العالمي وللتغطية على كونها ممارسة غير قانونية.
ووفقاً لهذا القانون، تحتجز السلطات الإماراتية حالياً 19 معتقلاً لأجل غير مسمى ودون أن تقوم بتوجيه أي تهمة لهم بذريعة أنهم يشكلون خطورة إرهابية، رغم أن هؤلاء المعتقلين لم يدخلوا السجن من الأساس بسبب جرائم إرهابية، بل بسبب قضايا تتعلق بحرية التعبير.
ويرى المستشار القانوني والقضائي، أن السلطات الإماراتية تستخدم هذا القانون من أجل حرمان معتقلي الرأي الذين تنتهي الأحكام القضائية الصادرة ضدهم من حريتهم، بهدف الانتقام منهم أو لأغراض سياسية تتعلق بممارستهم الحق في التعبير، وهو ما يشكل ازدراء صارخاً لمبدأ سيادة القانون الذي تدعيه الدولة في جميع المحافل وانتهاكاً صريحاً للقانون الدولي.
وأشار إلى أن القانون الإماراتي هنا يتناقض بشكل صريح مع جميع الشروط التي ينص عليها القانون الدولي لهذا النوع من الاعتقال، فلا يوجد ظرف استثنائي يدعو السلطات الإماراتية إلى ممارسة هذا النوع من الاعتقال، ولا يوجد مدة محددة له، ولا أي ضمانات لعدم وجود قضاء مستقل يمكن اللجوء إليه.
واستدل الزعابي، بمعتقل الرأي عبدالله الحلو، المحتجز منذ 22 أبريل 2017 ، أي منذ أكثر من خمس سنوات، بدون أي تهمة أو محاكمة، علماً أن الحلو بالأساس تم اعتقاله في 2014 وحكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة 3 سنوات ولم يحاكم في قضايا إرهاب، وكان من المفترض أن يخرج من السجن في 2017، وهو ما يعني أنه تم احتجازه ضعفي المدة المحكوم بها دون أي سند قانوني، وفقاً لرأي الزعابي.
وأشار الزعابي، إلى أن "أعداد المحتجزين لأجل غير مسمى في الإمارات، قد تتضاعف خلال الأشهر المقبلة، وتصل إلى أرقام قياسية، لأن السلطات الإماراتية تقوم باستخدام هذا النوع من الاعتقال ضد جميع معتقلي الرأي الذين تنتهي أحكامهم".
وبالإضافة إلى الانتهاكات القانونية الجسيمة التي يحملها هذا النوع من الاعتقالات، فإنه يحمل أيضاً أضرار نفسية وآثار صحية خطيرة على المعتقلين، حيث تؤكد الأخصائية النفسية النرويجية، نورا سفياس، أن الاعتقال لأجل غير مسمى هو شكل خطير من أشكال التعذيب التي تبعث على اليأس، وله تداعيات سلبية خطيرة على صحة المعتقل.
وأفاد المستشار الزعابي، لأن إخبار الشخص باحتمالية عدم خروجه أو عدم قدرته على التنبؤ متى من الممكن أن يخرج من السجن، هو ليس فقط أمر غير قانوني، بل هو شعور قاس لا ينبغي أن يواجهه أي إنسان، وهو من أشكال التعذيب النفسية التي قد تترك آثار بالغة على نفسية أي معتقل، بل وعلى أسرته الممتدة من أب وأم وزوجة وأطفال، لأنهم سوف يفقدون الأمل في مستقبلهم وفي من يديرون البلد.
واعتبر ذلك من الآثار الخطيرة للاعتقال لأجل غير مسمى، سواء على الجانب القانوني أو النفسي، تستدعي تدخلاً فورياً من المجتمع المحلي والدولي والمنظمات الحقوقية للضغط على السلطات الإماراتية بشكل جدي من أجل الإفراج عن المعتقلين فوراً وبدون أي تأخير.