يرى الكاتب والمحلل الاستثماري ساهيل مينون، في مقال نشرته منظمة «داون» الحقوقية، أن انضمام كازاخستان إلى اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي لا يعكس تحولاً جوهرياً في سياستها الخارجية بقدر ما يعكس ضغوطاً أمريكية ورهانات جيوسياسية تقودها واشنطن وأبوظبي لإحياء مشروع التطبيع خارج نطاق الشرق الأوسط.
وبحسب مينون، جاء القرار الكازاخستاني بعد سنوات من الجمود، استجابةً لمساعٍ قادها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالتوازي مع قمة C5+1 الأخيرة في واشنطن، في إطار سعي الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في آسيا الوسطى.
ويشير الكاتب إلى أن الحوافز الأمريكية، وعلى رأسها الإلغاء المرتقب لتعديل جاكسون–فانيك التجاري، شكّلت عامل جذب رئيسياً لأستانا، على غرار الصفقات التي أُبرمت سابقاً مع المغرب والسودان.
ويلفت كاتب المقال إلى أن الإمارات لعبت دوراً غير معلن في تسريع هذا المسار، مستفيدة من مكانتها كأحد أكبر المستثمرين الأجانب في كازاخستان، ومن ثقلها الاقتصادي المتنامي هناك.
ويؤكد مينون أن ضم دولة إسلامية غير عربية وغنية بالنفط إلى اتفاقيات التطبيع يمنح أبوظبي غطاءً سياسياً في ظل تصاعد الغضب الشعبي العربي تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة.
ويرى الكاتب أن اختيار كازاخستان لم يكن معقداً، إذ إن البلاد اعترفت بـ"إسرائيل" منذ عام 1992، وتتبع سياسة خارجية "متعددة الاتجاهات"، كما أنها بعيدة جغرافياً عن بؤر الصراع في غرب آسيا، ولا تواجه ضغوطاً داخلية حقيقية بشأن القضية الفلسطينية، ما يقلل كلفة التطبيع على قيادتها السياسية.
ويشير مينون إلى أن أذربيجان كانت مرشحة سابقة للانضمام إلى الاتفاقيات التطبيع، إلا أن التطورات الإقليمية، ولا سيما التوتر مع إيران، دفعت واشنطن وأبوظبي إلى تفضيل كازاخستان كخيار أقل حساسية وأكثر أماناً.
وفي المقابل، وجد الرئيس قاسم جومارت توكاييف في التقارب مع الاحتلال الإسرائيلي فرصة لتحسين صورته الدولية، وتعزيز طموحاته في التحول الرقمي وجذب الاستثمارات والكفاءات التقنية.
ويضيف الكاتب، في مقاله، أن التجربة الإماراتية شكّلت نموذجاً مُلهماً لكازاخستان، سواء في توظيف التطبيع لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياحية، أو في الاستفادة من التعاون الأمني والاستخباراتي لتعزيز قبضة الدولة، خاصة في ظل سجل أستانا الحافل بقمع الاحتجاجات، كما حدث خلال أحداث يناير 2022 الدامية.
ويختم مينون تحليله بالتأكيد على أن توسّع اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي ليشمل كازاخستان يعكس تحوّلها من مبادرة إقليمية إلى مشروع عابر للجغرافيا، تقوده تحالفات المصالح لا وعود السلام، محذراً من أن ما يُروَّج له كـ"دائرة سلام" لا يزال بعيداً عن معالجة جوهر الصراع الفلسطيني، الذي يبقى الخاسر الأكبر في هذه المعادلة.