للإمارات تاريخ طويل مع التجارة وطرقها المختلفة، وحققت فيها نجاحات منافسة على المستوى العالمي، وخاصة في التجارة غير النفطية وتجارة الاستيراد وإعادة التصدير. تُتهم الإمارات بأنها لم تكتف بالمزايا الاقتصادية التنافسية في إدارة تجارتها مع العالم؛ وإنما سلكت سبلا "غير شرعية" و"غير مشروعة" في بناء تجربتها التجارية والاقتصادية. واليوم، تقف الإمارات، تجاريا، على مفترق طرق: "طريق الحرير" و "التجارة الحرام". فما هي هذه الطرق، وما هي الاتهامات الموجهة للدولة في سياق التجارة "خارج القنوات"؟!
"طريق الحرير"
منذ أن تم الإعلان هذا الأسبوع عن زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينغ"، حتى سارعت المصادر الرسمية الاقتصادية والإعلامية للترويج بكثافة إلى دور الإمارات المرتقب في "طريق الحرير". وأكدت هذه المصادر أن دولة الإمارات تعد "بمقومات بنيتها التحتية المتميزة، وتصدرها العديد من مؤشرات الجودة العالمية، فضلاً عن الأمن والاستقرار، المحطة الشرق أوسطية المهمة في طريق الحرير البحري للقرن الـ21 مع الدول الواقعة على طول الحزام".
وكان الرئيس الصيني قد أطلق عام 2013 مبادرة «الحزام والطريق» التي تهدف إلى تطوير وإنشاء طرق تجارية وممرات اقتصادية تربط أكثر من 60 دولة. وتمثل مبادرة «الحزام والطريق» استراتيجية تنموية تتمحور حول التواصل والتعاون بين الدول، خصوصاً بين الصين ودول أوروبا وآسيا. وتتضمن فرعين رئيسين، وهما "حزام طريق الحرير الاقتصادي البري" و"طريق الحرير البحري".
والواقع، أن دولة الإمارات تتمتع بجميع الميزات والمؤهلات التنافسية لتكون جزءا رئيسا في "طريق الحرير"، وأن تكون جسرا ومؤثرا في حركة التجارة العالمية وأن تزيد من قوتها الناعمة وقدراتها على مختلف الأصعدة.
الإمارات و "التجارة الحرام"
ما نقصده بالتجارة الحرام، هنا، هو أن دولة الإمارات اتبعت في ممارساتها التجارية طرقا غير شرعية و غير مشروعة في عدد كبير من تبادلاتها وتعاملاتها التجارية المختلفة، بحسب رصد الأمم المتحدة وأطراف رسمية إقليمية ودولية.
تاريخ التجارة الحرام في الإمارات وظروفها
ليس معروفا على وجه الدقة تاريخ بدء هذه النوعية من التجارة في الإمارات. غير أن الأحداث والوقائع استطاعت توثيق عمليات تجارية غير شرعية عام 2001، وعام 2010، فضلا عن ما هو مستمر منها منذ الفوضى القائمة في بعض الدول العربية منذ اندلاع الثورات المضادة في دول الربيع العربي. واللافت، في هذه التجارة، أن معظمها يتم في دول تعاني فوضى أمنى وانحسار سلطة حكومات مركزية قوية أو في ظروف عقوبات دولية دول أطراف في هذه التجارة.
تهريب النفط العراقي
أشارت مصادر ملاحية في الخليج عام 2001، إلى عمليات نقل نفطية غير مشروعة، تقدر بحوالي 150 سفينة، وقد ضُبط العديد من هذه السفن وكانت تقطر الى موانئ اماراتية، إذ يتم بيعها بالمزاد العلني. وتبين أن من يرسو عليه المزاد يكون في الغالب على ارتباط بعمليات التهريب بحيث يقوم باعادة تشغيلها من جديد تحت اسم آخر أو بالاسم ذاته وتحت العلم نفسه.
وقد دفع تسرب نفط من ناقلة عام 2001، أمام الشواطئ الإماراتية، وما سببه من تلوث، الحكومة إلى تشديد مكافحة تهريب النفط العراقي.
و وصفت صحيفة "الشرق الأوسط"، آنذاك، الخطوات الإماراتية، بأنها "اجراءات قوية لمكافحة حوادث التهريب التي تتورط فيها جهات محلية". وأضافت الصحيفة: إن تطمينات الحكومة حول تسرب النفط "لم تكن كافية للجم موجة الانتقاد التي عمت الاوساط الاماراتية بسبب ضعف اجراءات الرقابة على عمليات تهريب النفط ونقله في سفن غير مؤهلة لحمل الزيت الخام".
وما زاد من حدة الانتقادات، أن بعض أجزاء بقعة التلوث، وصلت إلى شواطئ الجميرا في دبي، مع الكشف أن ملكية السفينة التي وقع فيها التسرب، تعود إلى عراقي مقيم في دولة الامارات وله شركاء آخرون.
وكانت تشكل عمليات تهريب النفط العراقي، تجارة مربحة للتجار الذين يشترون النفط بأسعار تصل الى أقل من نصف السعر الذي يُباع به في الأسواق العالمية.
تهريب النفط من السعودية عام 2010
بحسب صحيفة "الإمارات اليوم" المحلية، فقد حذر خبراء اقتصاديون من تهريب مشتقات نفطية من دول مجاورة للإمارات، لافتين إلى آثار سلبية خطيرة للتهريب في الاقتصاد المحلي، لتأثيره في الشركات الوطنية، إضافة إلى أنه وسيلة لدخول سلع خارج نطاق الرقابة، قد تكون لها تأثيرات بيئية وصحية. كما حذرت شركتا توزيع محليتان لمشتقات النفط من تراجع مبيعات الشركات الوطنية جراء عمليات التهريب. وأقر مسؤول في «إينوك» بتراجع المبيعات حالياً.
وكان مسؤول في هيئة الجمارك السعودية كشف، آنذاك، عن تهريب للنفط تحت مسميات زيت محروق أو زيت طعام، وقال إن الإمارات من أكثر الدول التي يتم التهريب إليها، لارتفاع سعر المنتجات النفطية فيها.
وبحسب الصحيفة المحلية، أيضا، فقد أقر مسؤول أمني، فضل عدم ذكر اسمه، في منفذ الغويفات الحدودي مع السعودية، أن "عمليات تهريب نفط سعودي إلى الإمارات، حالات فردية محدودة ولا تشكل ظاهرة". ومن جهته، أكد مسؤول في شركة الإمارات للمنتجات البترولية (إيبكو)، فضل عدم ذكر اسمه: أن «عمليات التهريب موجودة ولا ترتبط بانخفاض أو ارتفاع أسعار الوقود في الدولة».
تجارة الفحم مع حركة الشباب الصومالية
وهذا العام، 2018، كشف تحقيق صحفي أن الفحم الصومالي لا يزال يصل إلى دولة الإمارات، ولكن بكميات أقل في الشحنة الواحدة، حتى لا يكشف الأمر، بسبب الحظر الدولي المفروض على تصديره.
وتحظر الأمم المتحدة تصدير الفحم الصومالي الذي يستخدم لتمويل "جماعة الشباب" المسلحة في الصومال، المتورطة بأعمال "عنف وإرهاب"، بملايين الدولارات خلال السنة الأخيرة، كما يمول مليشيات قبلية أخرى.
ووفق تحقيق نشره موقع "العربي الجديد"، فإن "إعلانات بيع الفحم الصومالي تنتشر في الإمارات على مواقع إلكترونية تجارية"، وهي تدعم من خلال هذا التصدير من حركة الشباب الصومالية وتمويلها.
وجاء في تقرير أممي، عام 2017، أن تجار الفحم يصدرون مستندات جمارك وشهادات منشأ مزورة لتيسير الاستيراد غير المشروع للفحم الصومالي المهرب، والنوع الأكثر شيوعاً هو مستندات المنشأ الجيبوتية المزيفة إذ جرى تداول هذه الوثائق بميناء الحمرية في إمارة عجمان. وتبين أن مواطناً جيبوتياً يُدعى بشير موسى، مقيماً في دبي، هو مصدر هذه الوثائق المزورة.
وسبق لخبراء الأمم المتحدة أن أبلغوا مجلس الأمن عن تجارة الفحم بين أبوظبي والصومال والاتهامات التي تصب في تأكيد أن المستفيد من هذه التجارة هي حركة الشباب الصومالية الإرهابية وهو ما يتناقض تماما ما تقوله الإمارات علانية من حرب على الإرهاب وتجفيف منابع تمويله.
وكان زعم فريق الرصد، التابع للأمم المتحدة، حول العقوبات المفروضة على الصومال، تورط دولة الإمارات في ما وصفها "انتهاكات فادحة" في الدولة الإفريقية الفقيرة، أبرزها تمويل حركة الشباب الصومالية "الإرهابية"، من خلال انتهاك دبي الحظر المفروض على تجارة الفحم هناك.
وأوضح التقرير -الذي كتب في 166 صفحة- أن الإمارات تراجعت من حيث الاتساق والفعالية عن تنفيذ الحظر المفروض على تصدير الفحم؛ والذي يشكل المصدر الرئيسي لتمويل حركة الشباب "الإرهابية". وهو ما يقوض جهود مكافحة "الإرهاب".
وقال التقرير إن حركة الشباب تتلقى نحو 10 ملايين دولار سنوياً من تجارة الفحم غير المشروعة، وما زالت مدينة "دبي" وجهة التصدير الرئيسية، إضافة إلى كونها مركزاً للشبكات الإجرامية التي تنتهك الحظر المفروض على تصدير الفحم في إفلات شبه كامل من العقاب.
تهريب النفط الليبي لصالح حفتر
والسبت (14|7) كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" النقاب عن تجارة نفط غير شرعية للنفط الليبي لصالح المتمرد خليفة حفتر بمساعدة إماراتية.
وزعمت الصحيفة الأمريكية: انخرط مسؤولون إماراتيون في محادثات سرية مع خليفة حفتر الذي يسعى لمساعدة الإمارات له في تصدير النفط الليبي خارج القنوات التي وافقت عليها الأمم المتحدة.
وأضافت الصحيفة: إنه وبينما تؤيد الإمارات علنا قرارات الأمم المتحدة، فقد درجت على التحرك بانفراد لدعم قوات حفتر. وأوضحت أنها حصلت على هذه المعلومات من مسؤولين إماراتيين وأوروبيين.
وأشارت إلى أن المسؤولين الإماراتيين يهدفون لتسهيل البيع المستقل للنفط الليبي من قبل حفتر عبر شركات إماراتية، موضحة أن هذا الدعم الإماراتي قد شجع حفتر الشهر الماضي على تنفيذ محاولته غير المسبوقة لمنع مؤسسة النفط الليبية من التصرف في هذا النفط.
الإمارات بين طريقين
يستغرب الإماراتيون وجود "التجارة الحرام" في الدولة، سواء عبر تورط جهات رسمية فيها أو غض النظر رسميا عن شركات وشخصيات غير رسمية ترتكب هذه الممارسات، كون الدولة ليست بحاجة إلى هذه السلوكيات التجارية التي قد تضرها وتضر سمعتها ومكانتها الاقتصادية والسياسية في المقام الأول.
ويرى الإماراتيون أن مشروع طريق الحرير هو أحد المداخل الشرعية لازدهار التجارة المحلية والدولية، لا يفوقه أهمية سوى حل الأزمة الخليجية التي باتت تنعكس سلبا على اقتصاد الإمارات، كما يجري الكشف تباعا عن صعوبات وخسائر اقتصادية في أبوظبي ودبي على حد سواء، إما بسبب مباشر لهذه الأزمة أو لأسباب تتعلق بتوترات سياسية للدولة في علاقاتها مع جيبوتي أو الصومال مثلا.