علي العمودي
وكأنما كان ينقص ديننا الإسلامي السمح الحنيف إساءة بشعة جديدة، وبالغة القسوة، من حجم ومستوى ما أقدمت عليه الجماعة الإرهابية المتطرفة في نيجيريا «بوكو حرام»، وهي تضيف لأعمالها الإجرامية من قتل وتدمير، خطف أكثر من مائتي تلميذة قاصرة من إحدى المدارس، وقد وزع زعيمها أبو بكر شيكاو بعضاً منهن على أتباعه، واحتفظ بأخريات منهن لنفسه، خليلات وجواري، وعرض البقية للبيع باعتبارهن من السبايا وبسعر 12 دولاراً للواحدة منهن.
وشهد العالم من شرقه إلى غربه وقفات تضامنية مع الفتيات المخطوفات، رافضاً العمل البربري الذي يجتمع بشأنه اليوم في باريس ممثلو عدد من دول العالم لبحث الكيفية التي يمكن بها مساعدة نيجيريا للقضاء على هذه الفئة الضالة والجماعة الإرهابية التي سفكت الدماء واستباحة الحرمات ودمرت الممتلكات باسم دين الحق والسلام وحسن التعايش وصون حياة وكرامة الإنسان أينما كان، دون تمييز لملة أو عرق أو لون، دين يعتبر من يزهق روحاً من دون حق «كأنما قتل الناس جميعاً».
جرائم «بوكو حرام» بخطف الفتيات كانت محل استنكار المراجع والهيئات الدينية، وعلماء الدين الإسلامي من الأزهر الشريف ومنظمة العالم الإسلامي.
وقبل يومين كان العلامة الشيخ عبدالله بن بيه رئيس «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، يدين مختلف أعمال العنف العشوائي التي تشهدها نيجيريا ولا يمكن تبريرها، لا دينياً ولا عقلياً ولا مصلحة، ويعرب عن أسفه وإدانته لاختطاف الفتيات. وقد ناشد تلك الجماعة «أن تعيد الفتيات إلى ذويهن والتوقف عن الأعمال التي تحرمها كل الديانات السماوية، خاصة الدين الإسلامي الذي شوهت صورته وانتهكت قدسيته على أيدي أشخاص لا يدركون حقيقته ولا يستشيرون مرجعياته».
داعياً «علماء المسلمين في نيجيريا وفي غرب أفريقيا ورجال الدين المسيحي في هذه المناطق، إلى التعاون والتعاضد بحكم مسؤوليتهم الخاصة لإيقاف الاقتتال والاحتراب الذي لن ينتهي إلا بضياع الأوطان ووضعها في دائرة التخلف والتيه الذي لا بقاء فيه لدين ولا لتنمية». مطالباً بدعم جهود السلام ليس في نيجيريا وحدها، ولكن في جمهورية أفريقيا الوسطى أيضاً التي مرت ولا تزال بأحداث مؤلمة.
ما قامت به جماعة «بوكو حرام» يلتقي مع خط القوى الظلامية ذاته كحركة «طالبان» في أفغانستان وباكستان وغيرهما، ونظرة هذه الجماعات للمرأة التي كرمها الإنسان أيما تكريم، وكذلك من قضايا تعليمها. وتظل ماثلة للأذهان الهجمات الإرهابية لـ «طالبان» على مدارس تعليم البنات في هذين البلدين المسلمين، ورمز مقاومتها الناشطة الباكستانية ملالا زاي بيننا، وهي الفتاة الصغيرة التي تعرضت لرصاصات حاقدة لمنعها من حقها في التعليم.
التصدي لهؤلاء الإرهابيين وعصابات الفئات الضالة التي تتستر باسم الدين الإسلامي وتتاجر بمبادئه، مسؤولية جماعية تتطلب من الجميع التعاون لاجتثاث هذه الآفة التي اُبتليت بها الأمة، ونحن نراهم يظهرون في أماكن عدة من بلداننا العربية والإسلامية، حيث نشاهد سفك دماء الأبرياء وتدمير المقدرات أينما حل أعداء الحياة هؤلاء الذين يريدون العودة بنا إلى عصور الجهالة والظلام والسبايا والجواري.
حرام ما تفعل «بوكو حرام».. وأشد الحرام الصمت على أفعال الذين يريدون خطف الإسلام تحت مسمع ومرأى أكثر من ملياري مسلم.