فاطمة الصايغ
من سبق له أن زار الإمارات أو عاش فيها لا يسعه إلا أن يقف إعجاباً وانبهاراً ليس فقط بما تحقق على أرضها من معجزات مادية بل للثقافة الإماراتية السمحة وأسلوب التعامل المهذب الذي يظهره أهل الإمارات تجاه الآخر. فدماثة الخلق والتواضع والطيبة صفات معروفة عن أهل هذه المنطقة منذ القدم. من ناحية أخرى عرف عن أهل الإمارات تقبلهم للآخر وتعايشهم معه دون كره أو حقد أو ضغينة، الأمر الذي ساهم في خلق بيئة اجتماعية متوازنة شجعت الكثير من الجنسيات على أن يأتوا إلى الإمارات ويتخذونها وطناً بديلاً لهم.
تميزت الإمارات أيضاً بإيقاعاتها السريعة والتي على الرغم من سرعتها، إلا أنها إيقاعات متناغمة ومعتدلة دون تطرف أو عنف بل إيقاعات حياتية وسطية جعلت من الإمارات أنشودة حب وسلام عالمية. ففي الإمارات يمكن لكل من يعيش على أرض الدولة أن يشارك بفعالية في صنع إيقاع الحياة دون إقصاء أو تهميش لأحد. الجميع يعتقد أن الإمارات والإماراتيين محظوظون وغير مستهدفين من أحد إلا من الحاسدين الذين يغبطونهم على النعم الكثيرة التي يتمتعون بها وعلى رأسها نعمة الأمن والأمان ونعمة ذلك التواصل الجميل بين الحاكم والمحكوم.
هذه السمعة لم تدع مجالاً للشك في ذهنية أي أحد بأنه يمكن للإمارات أو الإماراتيين أن يكونوا في يوم ما هدفاً آثماً لأحد. إذاً فهل هناك ثمة خطأ ما في قضية استهداف بعض من مواطني الإمارات في الخارج؟ وإذا كانت كل الدلائل تؤكد أن تلك الاعتداءات ليست عنصرية وغير موجهة لمواطني الإمارات بالتحديد، فهل يوجد سبب آخر يدعو هؤلاء المهاجمين لتوجيه ضربتهم لمواطنين أبرياء ذهبوا للخارج للسياحة أو الدراسة أو العلاج؟
لا نقول أبداً إن أياً من هؤلاء الضحايا قد وضع نفسه في هذا الموقف ولا ندعي أن أياً من هؤلاء الأبرياء قد أهمل في شيء ما، ولكنهم بالتأكيد يمكن أن يكونوا قد وقعوا ضحية صور نمطية معينة كونت عن الخليجيين بشكل عام في الخارج وفي أوروبا بالتحديد، وهي التي أدت إلى تلك الاعتداءات.
هذه الصورة النمطية والتي تكونت في الذهنية الغربية ليست بوليدة اليوم. فقد ظهرت هذه الصورة من أيام الطفرة البترولية وترسخت في فترة الثمانينيات والتسعينيات وزاد الطين بلة هجمات الحادي عشر من سبتمبر والتي أوقعت ضحايا كثر على رأسها صورة العرب والمسلمين. كل تلك الأحداث جعلت الغربيين يرسمون صورة معينة عن أهل الخليج مرتبطة ليس فقط بالثراء والبذخ التي تحركها بوصلة البترول التي تواصل ارتفاعها رغم الأزمات المالية العالمية والتي أطاحت بعروش اقتصادية أوروبية، بل ومرتبطة أيضاً بالمد الأيديولوجي المتعصب الذي أصبح يحرك العالم هذه الأيام.
ومما ساهم في ترسيخ صورة معينة للخليجيين في الخارج تلك الآلة الإعلامية الغربية والتي رسمت صور خيالية لأهل الخليج مشتق معظمها من الذاكرة الغربية للصحراء العربية. من ناحيتهم ساهم أهل الخليج في ترسيخ هذه الصورة النمطية. فالطفرة البترولية والتي زادت من ارتباط أهل الخليج بأوروبا، جعلت منهم زواراً دائمين لأشهر العواصم الأوروبية والتي اختاروها قبلة لإجازات الصيف وسوقاً للتبضع الراقي. ولم تقتصر زياراتهم لهذه العواصم صيفاً حين تشتد حرارة الجو في الخليج بل أصبحوا زواراً دائمين طوال العام.
>اعتاد عرب الخليج أن يمضوا إجازاتهم في ربوع أوروبا مصطحبين معهم كل ما يذكرهم بالوطن من مأكل ومشرب ولباس وأحياناً كثيرة حتى سياراتهم الفاخرة والتي تحمل أرقام دول الخليج. لم يعودوا يقطنون أفضل الفنادق والمنتجعات بل امتلكوا البيوت والشقق الراقية والتي أصبحت بيتهم الثاني في بلاد الغرب. فأهل الخليج يفضلون راحتهم على حساب كل شيء وبالتالي لم يبخلوا على أنفسهم بشيء. فيمكن تميز الخليجيين بسهولة من خلال ملابسهم الأنيقة ومجوهراتهم الغالية وثقافتهم الاستهلاكية العالية.
وتناسى أهل الخليج بأن للغرب ثقافة مختلفة تماماً قائمة على البساطة وبعيدة كل البعد عن أي مظهر استهلاكي ليس لأنهم كذلك ولكن رغبة في إبقاء تلك الأمور في إطار الخصوصية الكبيرة. قضية أخرى يتناساها الخليجيون وهي قضية الأمن والسلامة، وهما مصطلحان مختلفان تماماً عن بعضهما البعض. فالأمن هو الأمان السائد، أما السلامة فهي اتخاذ كل سبل الحيطة وتجنب الأخطار. هذه القضايا مهمة لأي زائر إلى الدول الغربية والتي يفتقد معظمها إلى قضية الأمن والسلامة.
قضية الاعتداءات على مواطني الإمارات فجرت أسئلة كثيرة يأتي على رأسها الأمن والسلامة في هذه البلدان وارتباطها بالثقافة الخليجية القائمة على اعتبار هذه القضايا أموراً بديهية. ولماذا لا وهم في أوروبا التي في نظرهم تتمتع بأفضل معايير الجودة في كل شيء؟ الهجمات الأخيرة كشفت ليس فقط ضعفاً في سبل الأمان في أوروبا ولكن ضعفاً في الثقافة الخليجية التي لم تعتد أخذ الحيطة والحذر وتتعامل في البيئات الأخرى بالعقلية نفسها التي تتعامل بها في أوطانها. فهل تصبح حرارة الخليج أرحم بكثير من برودة أوروبا؟