أحمد عبد الملك
في مقدمة لكتاب «الجامعة العربية.. قضايا وتحديات» الذي أصدرته وكالة الأنباء الكويتية بمناسبة عقد القمة العربية - الدورة 25 - بالكويت في مارس (آذار) الماضي، تحدث الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية حول رؤيته لتطوير منظومة جامعة الدول العربية والعمل المشترك. وقال إن هناك وثيقتين مهمتين لإحداث التغيير والإصلاح في الدول العربية هما «بيان مسيرة التطوير والتحديث في الوطن العربي»، و«وثيقة العهد والوفاق والتضامن بين قادة الدول العربية». وصدرت الوثيقتان ضمن قرارات القمة العربية في تونس عام 2004. ولقد «أكدت الوثيقتان على ضرورة مواصلة خطوات الإصلاح الشامل، التي بدأتها الدول العربية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة، وتعزيز روح المواطنة والمساواة ورعاية حقوق الإنسان، وفقا للميثاق العربي لحقوق الإنسان، ومختلف العهود والمواثيق الدولية، وتعزيز دور المرأة العربية في بناء المجتمع، وإرساء التعامل الاقتصادي للتمكن من المشاركة الفاعلة في الاقتصاد العالمي، وبناء الحضارة الإنسانية على أسس من التفاهم والتسامح والحوار»!
كلام لا يعلى عليه.. جميل ومنمق وآفاقه تلامس عنان السماء!! لكننا للأسف على الأرض، ونلامس واقعنا العربي لحظة بلحظة، وأعتقد أن أولى خطوات تطوير العمل العربي المشترك أن نوجه أنفسنا بضرورة المكاشفة وعدم المجاملة - كما يفعل الأوروبيون في اجتماعات الاتحاد الأوروبي - وأن نضع النقاط فوق الحروف، فيما يتعلق بالقضايا الأساسية التي تواجه الأمة العربية. ولقد مرت عشر سنوات منذ قمة تونس 2004، ولم تُفعّل هاتان الوثيقتان بين الدول العربية، خصوصا بعد مخاضات وفوضى «الربيع العربي» التي شطرت العالم العربي أكثر، والنزوع نحو الانقضاض على السلطة بشكل أو بآخر. عشر سنوات لم تستطع الجامعة العربية تحقيق مشروع عربي واحد، بل إن تداعيات «الربيع العربي» قد أضرت بالعلاقات بين الدول العربية، وأحدثت تراجعات في الرؤى، ولا أدل على ذلك من أن العرب لم يتفقوا على منْ يجلس على كرسي سوريا في قمة الكويت الأخيرة، في حين كان وفد الائتلاف والثورة السورية يجلس على ذات الكرسي في قمة الدوحة! وهذا مثال بسيط على تشتت الرأي العربي وانقسامه نتيجة عدم الاهتمام بالوثيقة التي تحدث عنها د. نبيل العربي، وهي «وثيقة العهد والوفاق والتضامن بين قادة الدول العربية»، بل إن الأحداث الأخيرة أفرزت «المحاور» والتكتلات التي ناقضت تلك الوثيقة وجعلتها حبرا على ورق.
فالعراق - حكومة المالكي - يغرد على وتره الطائفي، ويرفض الوحدة الوطنية، ومئات القتلى يسقطون، وحوادث الرعب لا تتوقف. وسوريا مغلولة اليد فيما يتعلق بالتضامن العربي، مطلقة اليد - عبر حكومة بشار الأسد - فيما يتعلق بقذف البراميل المتفجرة وتهجير ملايين المواطنين من بيوتهم. واليمن يعاني التدهور الاقتصادي والاجتماعي والأمني، والسودان ما زال تضرب فيه الانشقاقات هنا وهناك، وليبيا نشبت في أنياب القبيلة بعد الإطاحة بـ«القذافي»، وتونس أيضا ما زالت تتلمس الطريق نحو الدستور والدولة المدنية، ولبنان يعاني السيارات المفخخة هنا وهناك، ودول الخليج العربية لها شؤونها الخاصة فيما يتعلق بخطوات الإصلاح والتنمية، ومواجهة تداعيات «الربيع العربي»، وخطر انفراط عقد مجلس التعاون، والموقف من دول الجوار، والاتفاق على مبادئ حقوق الإنسان، كما حوتها الوثيقتان اللتان أشار إليهما الأمين العام لجامعة الدول العربية.
أما قضية «روح المواطنة والمساواة ورعاية حقوق الإنسان»، فلا بد لنا من عدم التحليق في سماء الأماني، لأن واقع الدول العربية - على مدى ستين عاما - لم يختلف حتى اليوم، وإن اختلفت أسماء الدول، إذ لم تفلح المؤسسات المدنية والنقابات والجمعيات في خلق حالة اتفاق حول مفاهيم المجتمع المدني، في حين هيمنت بعض الدول على تلك المؤسسات والجمعيات بقصد إدارتها حسبما تريد، وكل دولة تشكل مفهوم المجتمع المدني حسب ظروفها، وبما يعزز بقاء السلطة إلى الأبد. وإذا كانت التشريعات المحلية في كثير من الأقطار العربية لا يجري تطبيقها في تحقيق العدل والمساواة والكرامة وحرية التعبير - كما تقر بذلك المواثيق الدولية - فإن جامعة الدول العربية لو وضعت ألف وثيقة للعهد والتضامن، فلن تستطيع تحقيق ذلك بين 22 دولة! كل واحدة منها لها ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والفكرية.
لا نريد أن نكون ضمن فريق جالدي الذات، لكن الذهنية العربية كما تعودت نبذ الآخر، وعدم الاعتراف به في أدبياتها التاريخية والشعرية - فإنها أيضا ما زالت تنبذ الآخر «العربي»، وتمارس معه نفس النظرية والرؤية، وتعتقد كل دولة بالأحقية والأسبقية و«النقاء العرقي والفكري»، وهذه إشكالية كبرى لا أعتقد أن جامعة الدول العربية قادرة على حلها.