علي العمودي
تتجلى يقظة الضمير والإحساس الكبير بالمسؤولية في العديد من مجتمعات جنوب شرق آسيا بصورة يعجز عن استيعابها أولئك الذين يفتقدون لذرة من ذلك الإحساس والشعور.
خلال الأيام القليلة ومع كارثة غرق العبارة الكورية، ومن قلب المأساة تلاحقت صور من ذلك الشعور المرهف والمتجذر بالمسؤولية ورئيس الوزراء الكوري الجنوبي شونج هونج-وون يقدم استقالته على خلفية الحادث، الذي جرى في السادس عشر من الشهر الماضي، وبلغ عدد قتلاه أكثر من مائتين من ركابها الـ476، والغالبية العظمى منهم تلاميذ كانوا في رحلة مدرسية.
وقبل أن يعلن استقالته انحنى وون عدة انحناءات بزاوية قائمة، وهو يقول: “أقدم اعتذاري لأنني لم أتمكن من منع وقوع هذا الحادث، ولم أتمكن من التعامل بالشكل الصحيح مع نتائجه”، لقد شعرت، أنني كرئيس للوزراء، يتعين عليّ أن أتحمل المسؤولية، وأن أستقيل الآن كي لا أكون عبئاً على الحكومة”. وأضاف إن الحادث أغرق جميع الكوريين الجنوبيين في حالة عميقة من الصدمة والحزن. مذاك مرت أيام (كثيرة)، ولكن صرخات عائلات المفقودين لا تزال تطاردني في الليل”. طالباً من مواطنيه “الصفح والتفهم”. وقبل استقالة رئيس الوزراء الكوري لم يغفر مدير المدرسة التي كان أغلب ضحايا العبارة من تلاميذها لنفسه أنه اختار هذا التوقيت للرحلة المدرسية المشؤومة فقرر الانتحار تاركاً رسالة اعتذار لذوي الضحايا لما تسبب به، رغم أنه لم يكن قائدا أو من طاقم العبارة، الذين وُضعوا جميعا قيد الاحتجاز.
الاعتذار وتحمل المسؤولية في تلك المجتمعات ثقافة وسلوك، وتعد الاستقالة إلزامية للرؤساء والوزراء ومديري الشركات. ومازلت أتذكر كيف أقنعوا الرئيس الكوي الجنوبي السابق لي ميونج باك بالعدول عن فكرة الاستقالة لمجرد تورط أقارب له في قضية فساد، ومع هذا خرج لمواطنيه معتذراً عما قاموا به، وهو الرجل الذي حققت كوريا الجنوبية في فترتيه الرئاسيتين أعلى معدلات النمو في ناتجها القومي، ومن يقرأ كتابه “الطريق الوعر” يدرك عصاميته.
ومن هذه الصور المرهفة الإحساس بالمسؤولية لدرجة تقريع الذات، نتوقف أماا مبتكر البراميل المتفجرة لقمع تطلعات الشعوب، والعالم يتفرج وهو يمضي في إبادة شعبه، وتحولت مدن بأكملها في سوريا، ومن فيها إلى أشلاء وأنقاض. ومع هذا ظهر ليبشر شعبه بأنه قرر خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبدأ في عقد سلسلة من اللقاءات يتقمص فيها دور المؤرخ والفقيه، ويتهم من يقفون خلف «عشرات الآلاف من الإرهابيين السوريين» بـ«تسطيح العقل في فهم القرآن» حتى لا” نخسر العقيدة نخسر الثقافة ونخسر معها الأخلاق»، وحلق بهم في رحاب اللغة، وهو يذكرهم بإصرار الإعلام العربي على استخدام مصطلح الإسلامويون، الذي -كما قال- لا يوجد في اللغة وزن مفعليون، ولكنه “دمج لكلمة إسلامي - دموي».
وتحدث مبتكر البراميل المتفجرة خريج المدرسة البعثية ورسالتها “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة” بنفس شعوبي، وهو يقول إن “العرب الأوائل لو كانوا قادرين على بناء الحضارة من مكة ومن المدينة لما أتوا لبلاد الشام”.
وبين الصورتين، والمرء يطالع تصريحات مخترع براميل الإبادة المتفجرة وعصابته، لا يملك إلا التساؤل لأي بشر ينتمون؟