محمد الباهلي
أصيب قادة إسرائيل بحالة من الانزعاج والارتجاج بعد اتفاق المصالحة الموقع الأسبوع الماضي بين حركتي «فتح» و«حماس»، والذي أنهى به الفلسطينيون انقسامهم الداخلي الذي استمر سبع سنوات. وسبب ذلك الانزعاج أن الاتفاق المذكور سوف يُعيد اللحمة الوطنية للصف الفلسطيني، بعد أن كان المستفيد الأول من الانقسام هو إسرائيل. ومن يقرأ العناوين الرئيسية للصحف الإسرائيلية، ومقالات الكتَّاب الإسرائيليين، يجد ذلك واضحاً بعد يوم واحد من هذا الاتفاق، وهذه بعض الأمثلة: «اتفاق فتح -حماس.. صفعة أبو مازن»، «كابوس في دولة ثنائية القومية»، «تعاطوا مع التهديد الفلسطيني بجديّة»، «دولة أبو مازن الخيالية»، «أيها اليهود عودوا إلى الوطن».
والمؤكد أن إسرائيل تريد استمرار الخلاف بين الفلسطينيين، لأنّه يمثل ضمانة مهمة لاستمرار سياستها في فلسطين المحتلة، وهذا الاتفاق يعني أنه حدث تغيير في اللعبة السياسية التي تتفاوض عليها إسرائيل مع الفلسطينيين والتي وصلت إلى طريق مسدود، وأن الاتفاق نفسه أربك الحسابات السياسية للقوى العظمى، لذلك وجدنا أميركا هي أيضاً تتوّعد الفلسطينيين بقطع المساعدات، خاصة بعد أن وجدت أن الموازين انقلبت في غير مصلحة إسرائيل. وهذا هو «لُب» الموضوع الذي ينبغي التركيز عليه، والذي تحاول الآلة الإعلامية الصهيونية إخفاءه.
ما يحدث في فلسطين هو صراع ممتد منذ مائة عام، جوهره أن فلسطين أرض عربية وأن مقدساتها إسلامية ومسيحية، وليس للكيان الصهيوني أي حق تاريخي فيها. وهذا ما أثبته الدكتور جمال حمدان، المفكر الموسوعي الذي اغتاله «الموساد»، في كتابه المهم «اليهود.. انثروبولوجيا»، حيث قال: «إن اليهود المعاصرين الذين يدعون الانتماء أصلا إلى فلسطين ليسوا أحفاد اليهود الذين خرجوا منها في فترة ما قبل الميلاد، وإنما ينتمي هؤلاء إلى إمبراطورية الخزر التترية التي قامت بين بحر قزوين والبحر الأسود، واعتنقت الديانة اليهودية في القرن الثامن الميلادي». وهذا ما أكده الكاتب الإنجليزي آرثر كيستلر ذو الأصول اليهودية، والمؤرخ الإسرائيلي شلومو زند. ويخلص الدكتور حمدان إلى القول: ما دام اليهود ليسوا من الساميين في شيء، فالمغالطة الكبرى تكمن في تسمية اضطهاد اليهود بمعاداة السامية، وهذا الأمر يسقط الدعوى التي تقول إن هناك قرابة دم بين العرب واليهود، ذلك أن نسل إسحاق ذاب في دماء غربية ووصل الذوبان إلى حد الانحلال حتى أصبحوا غرباء لا علاقة لهم بإسحاق. فإن كان يهود اليوم أقرباء لأحد، فهم أقارب للأوربيين والأميركيين.
الشعب الفلسطيني الذي اجتاز أصعب المحن والأزمات، وأطلق كفاحه في وجه الاحتلال الصهيوني، يبدو الآن أمام استحقاق تاريخي جديد. فإسرائيل لن تتخلى عن الأرض بإرادتها الطوعية، وتجربة التفاوض الطويلة معها، والتي تعتبر الأطول في التاريخ، تؤكد ذلك، كما تؤكد أن الغرب يدفع لاستمرار التفاوض من أجل التفاوض، ولتمكين إسرائيل من الحصول على ما تريده ولتكرِّس وجودها في الأرض، بعد أن ضعُفت جيوش دول «المواجهة» وأصبحت بلدان «الطوق» مشغولة بأوضاعها الداخلية.