أحدث الأخبار
  • 12:51 . "أدنوك للإمداد" توقع عقوداً لبناء 23 ناقلة عملاقة... المزيد
  • 12:26 . جماهير باريس سان جيرمان تتضامن مع فلسطين ووزير الداخلية الفرنسي يحتج... المزيد
  • 12:12 . آمال إسرائيلية بصفقة أسرى قبل تسلم ترامب السلطة... المزيد
  • 11:57 . أبطال أوروبا.. سان جرمان يتعثر أمام أتلتيكو وأرسنال يسقط في ملعب إنتر ميلان... المزيد
  • 11:41 . تقرير: طلبة في الإمارات يقاطعون الدراسة يوم الجمعة... المزيد
  • 11:05 . ولي العهد السعودي يجري اتصالاً هاتفياً بترامب لتهنئته... المزيد
  • 10:59 . العين يقيل مدربه كريسبو عقب النتائج السيئة... المزيد
  • 10:52 . هل يمكن أن يمنح ترامب الفلسطينيين حقهم؟... المزيد
  • 09:29 . مشروع إماراتي علمي جديد للأبحاث القطبية... المزيد
  • 08:57 . أبوظبي تستضيف الاجتماع الدوري لرؤساء البرلمانات الخليجية... المزيد
  • 08:55 . كيف يؤثر فوز ترامب على سعر الدرهم الإماراتي؟... المزيد
  • 07:58 . الإمارات وأستراليا توقعان اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة... المزيد
  • 06:58 . فوز ترامب يطيح بأسعار الذهب ويقفز بالدولار و"بتكوين"... المزيد
  • 06:34 . سقوط صاروخ في مطار بن غوريون يتسبب بوقف حركة الطيران مؤقتا... المزيد
  • 06:03 . حماس تعلق على فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية... المزيد
  • 03:32 . رئيس الدولة يهنئ ترامب بفوزه برئاسة الولايات المتحدة... المزيد

رعاية الموهوبين صناعة المستقبل

الكـاتب : خالد الخاجة
تاريخ الخبر: 30-11--0001

خالد الخاجة

من المقطوع به يقيناً أن الموهبة هي استعداد عقلي فطري يولد مع الإنسان، فكما يقول الله سبحانه وتعالى: «يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً». والموهبة كما الحكمة رزق من الله، والهبة تعني العطية من دون مقابل، وقد تكون استعداداً موروثاً في مجال من المجالات الاجتماعية أو العلمية أو الفنية أو الرياضية.

في تقديري أن الموهوبين من حولنا وبين أيدينا كثر، غير أنهم ينتظرون العين الفاحصة التي ترى ما لا يراه الآخرون، والتي تستطيع أن تكتشف ما لديهم من موهبة، وتزيل ما عليها من ضباب، ليسطع بريقها ويأخذ وهجها الناظرين إليها حتى تبلغ أقصى مداها.

والأمر لا يتوقف عند اكتشاف الموهبة وفقط، رغم أهمية ذلك لأنه الخطوة الأولى، إلا أن من الأهمية بمكان ما يمكن أن نسميه «إدارة الموهبة»، لكي تستطيع أن تكمل مشوارها دون تعثر أو ملل أو ميل. فكم من مواهب أذهلت العالم بما تمتلكه في مراحل حياتها الأولى، ثم تاهت في زحمة الحياة والأحداث، أو ضعفت همتها فلم تجد من يأخذ بيدها، أو غاب عنها الدأب وامتلاك الهمة، أو غلبها التعجل، ففعلت كما فعل الفارس الذي ألهب ظهر جواده بالسياط لكي يسرع، لكنه لم يتحمل بعد أن قطع مسافة قصيرة ثم مات، فلا هو أبقى على حياة جواده ولا أرضاً قطع. والمواهب التي أبهرت العالم لم تظهر فجأة، ولكن عبر منظومة عمل تملك إرادة الفعل، وحتى لو أخذ ذلك المزيد من الوقت، إلا أن الحصاد لا يقارن بأي بذل مالي أو بدني.

لذا من الأهمية بمكان رعاية الموهوبين والعناية بهم كمن يعتني بالجواهر الثمينة، والتي لا يزيدها مرور الزمن إلا قيمة، والشاهد هو الأسلوب الذي يتم التعامل به مع المواهب الرياضية، أليست هناك أكاديميات لرعاية الموهوبين في كرة القدم تتعهدهم بالتدريب وصقل مهاراتهم وبناء لياقتهم الذهنية والبدنية، ثم تتركهم يخوضون أقوى المنافسات بعد أن تكون أمدتهم بأدوات المواجهة؟

إنني أعتقد أن من النادر أن تجد إنساناً غير موهوب في جانب من حياته، ولكن الفيصل هو اكتشافها وتوجيهها التوجيه السليم، لأن البديل لذلك هو إساءة استخدام ما لديه من إمكانات، فعتاة المجرمين لديهم موهبة ولكنها ضلت طريقها، وساء استخدامها، وعانى الناس من ويلاتها، وغدت مصدر شقاء أصحابها، بدلاً من أن تكون سبب سعادتهم.

كما أن اكتشاف الموهبة ليس مهمة مؤسسة بعينها أو هيئة وما عداها غير ذي علاقة، لكنها مسؤولية متكاملة تتضافر فيها كل الجهود، غير أن الدور الأهم يبدأ من الأسرة باعتبارها بيئة الطفل الأولى التي يمكن أن تكتشف ما لديه في مرحلة مبكرة من حياته. وهنا نذكر بالأدوار التي يجب أن يقوم بها الوالدان، والتي لا تقتصر فقط على توفير المتطلبات المادية، فضلاً عن دور التنشئة الأسرية السليمة والتنسيق مع المدرسة التي تتأطر فيها شخصية الموهوب لترى النور وتتبلور حين يكون بين أقرانه، لتبدأ الرحلة الجادة في رعاية الموهوب، بدافع وطني قبل دافع المسؤولية المباشرة، وتكتمل المسيرة في مؤسسات التعليم العالي، عبر توفير آليات تساعد على انطلاق الملكات الإبداعية وعرض إنتاجاتهم.

ولأن الإمارات تعول دوماً على أبنائها، باعتبارهم ثروتها التي لا تنضب، جعلت البحث عن أصحاب الموهبة أسبق من التنقيب عن النفط، وجعلت الاستثمار في الثروة البشرية هدفاً أسمى، والشاهد تلك الرعاية التي أولاها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، للمخترع الإماراتي الصغير أديب سليمان البلوشي في رحلته التي جاب خلالها أوروبا، وإتاحة الفرصة أمامه للاحتكاك والبيئة العلمية المواتية، ووفر له ولأسرته السبل التي تيسر لهم ذلك. هو نموذج جلي لكيفية رعاية الموهوبين، وهي في الوقت ذاته رسالة إلى كل المؤسسات الرسمية والأهلية في كيفية التعامل مع أصحاب الموهبة. وفي يقيني أن أرض الإمارات ولاّدة بالعشرات من أمثال المخترع الصغير الذين ينتظرون من يكتشف ما لديهم، كما أن نموذج أديب سليمان البلوشي سيكون اللبداية لتعد الأسر أسلوب التعامل مع أبنائها، وما يبدونه من مهارات ومواهب.

كما أن توصية مجلس إدارة جمعية الإمارات لرعاية الموهوبين في الدولة، بأهمية أن يعاد العمل في وزارة التربية والتعليم بنظام الصفين، للطلبة الذين تكتشف قدراتهم العلمية العالية، ونقلهم من صفوفهم إلى صفوف أعلى لتواكب قدراتهم العلمية، هو سير في الاتجاه الصحيح.

لقد حاول بعض النظريات العنصرية، أن يربط بين بزوغ الموهبة ولون البشرة أو الجنس أو العرق أو طبيعة المناخ، لتهيئة أوضاع تكرس استغلالهم لغيرهم، غير أن الفيصل في تقديري هو توفير البيئة المواتية للإبداع، واكتشاف أصحابه ورعايتهم.

ألم نتساءل لماذا تخرج المواهب الكروية الفذة من البرازيل؟ هل لأن شجرة المواهب الكروية لا تنبت إلا في البرازيل دون غيرها؟ الموضوع ببساطة شديدة، هو أن المولود في البرازيل يمارس كرة القدم بمجرد وقوفه على قدميه، بل وقبل ذلك، ويطلب الكرة كما يطلب الحليب، ولا يخلو شارع أو حارة في البرازيل من ملعب لكرة القدم، للدرجة التي تستطيع فيها القول إن البرازيل بمدنها وأحيائها، عبارة عن ملعب كبير لكرة القدم، فتكونت تلك القاعدة من النشء، التي أفرزت للعالم المواهب التي أمتعته، كما أن خبراء كرة القدم يطوفون الشوارع والحارات بما يملكونه من حس لالتقاطها وتوفير البيئة المواتية لها.

وهو نفس المنطق الذي تتعامل به كوريا الجنوبية مع طلبة المدارس، حين تفتح لهم في الصباح أبواب المدارس النظامية، وفي المساء تظل أبواب المعاهد والمختبرات العلمية مفتوحة لاستقطاب الذين لديهم شيء مختلف، فأصبح البحث العلمي ثقافة ومكوناً أصيلاً من مكونات شخصية أبنائها، ومن خلاله يبدع أصحاب المواهب وتتبلور إمكاناتهم.

إن رعاية الموهوبين هي الضمانة الحقيقية للحفاظ على المكتسبات الحضارية للدولة، ذلك أن رعاية الموهوبين هي صناعة المستقبل.