علياء العامري
ما زال العمل التطوعي في دولتنا - على الرغم مما شهده خلال السنوات الماضية من
نمو كبير - يحتاج إلى المزيد من الوعي والإقبال من أبناء الوطن ليدركوا قيمته،
ويبذلوا من وقتهم وجهدهم ومالهم كذلك من أجل إغاثة المحتاجين والمنكوبين داخليا
وخارجيا، لمساعدة دولتنا في القيام بدورها الإنساني والخيري في العالم.
ولقد أشرت في مقال سابق بعنوان «لقاء استثنائي»، تناولت فيه تفاصيل لقاء سمو
الشيخ منصور بن زايد مع الشباب، إلى حرص القيادة الرشيدة على دمج الشباب في الأعمال
التطوعية داخل الدولة وخارجها، وذلك في الأعمال الإنسانية وإغاثة المنكوبين،
والمساعدة في حل الأزمات في الدول الفقيرة، حتى يتعرف الشباب على حياة تلك الدول
ومستوى المعيشة فيها، فيقدر النعمة التي وهبه الله إياها في بلده الإمارات ويسعى
للمحافظة عليها.
ومن ثم تولي حكومتنا الرشيدة العمل التطوعي اهتماما كبيراً، وتسعى إلى غرسه في
نفوس أبناء المجتمع من مواطنين ومقيمين، وتحويله إلى سلوك عملي يحرص عليه الكثيرون،
ويقبلون عليه مخلصين متجردين من حب الذات أو التطلع للوصول إلى مناصب قيادية، حتى
يكون عملهم هذا خالصاً لله عز وجل.
وذلك لما يمثله العمل التطوعي من أهمية اجتماعية وإنسانية عظيمة، وكونه رمزا من
رموز تقدم الأمم وازدهارها؛ لأنه يعكس مقدار تحضر الفرد وولائه وانتمائه وحبه
لوطنه؛ حيث يسعى المتطوع بقرار ذاتي لتقديم طاقته في تحقيق خدمة المجتمع، ويساعد
على تنميته في عمل تطوعي غير ربحي وغير وظيفي أو مهني، في سبيل تقديم أية مساعدة
لأية شريحة من شرائح البشر، سواء كان مع ذوي الإعاقة أو المسنين أو الأيتام أو
الفقراء والمحتاجين أو المنكوبين وغيرهم، مما ينعكس على نفسية المتطوع بطعم ومذاق
خاص وأثر حميد، ومردود مختلف يتمثل في الشعور بالرضى والسعادة الصادقة لا يعرفه إلا
من جرب هذا النوع من العمل التطوعي، سواء في المجال الديني أو الوطني أو الاجتماعي
أو الإنساني، قاصداً به وجه الله تعالى.
والعمل التطوعي يحافظ على القيم الإسلامية، ويجسد مبدأ التكافل الاجتماعي،
واستثمار أوقات الفراغ بشكل أمثل، ويجلب لصاحبه الخير في الدنيا والآخرة، ومن ثم
أثنى عليه الله في قوله تعالى: ((ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم)).
ذلك أن إدخال السرور إلى قلوب الآخرين هو من أحب الأعمال إلى الله تعالى، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب
الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه دينا،
أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد،
يعني مسجد المدينة شهرا، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له ثبت الله قدمه يوم
تزِلّ الأقدام».
وانطلاقا من تلك القيمة العظيمة للعمل التطوعي، فإن الدول الحديثة تعتني به
اعتناء كبيراً، لمعالجة مشكلات العصر والتغلب على كثير من الظروف الطارئة، في
منظومة رائعة من التحالف والتكاتف بين القطاع الحكومي والقطاع الأهلي. وذلك لمعالجة
القصور الذي تقع فيه الحكومات نتيجة عدم القدرة على تلبية جميع متطلبات الشعوب
بصورة كافية، ولذلكفإن بعض الدول، كسويسرا مثلاً، يعتبر التطوع إلزامياً للذين لا
تنطبق عليهم شروط الخدمة العسكرية ممن هم في سن 20-60 سنة.
ولقد نشأ العمل التطوعي في دولة الإمارات نشأة مبكرة، حيث اهتم به المغفور له
الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، اهتماما كبيرا عن طريق إنشاء الجمعيات
الخيرية والتطوعية، مثل جمعية متطوعي الإمارات وغيرها من الجمعيات التطوعية
المتخصصة في موضوعات معينة، مثل جمعية الإمارات لمتلازمة داون، وجمعية الإمارات
للثلاسيميا، وإرسال المساعدات والمتطوعين إلى المحتاجين والمنكوبين في شتى أنحاء
العالم.
ولم يقتصر العمل التطوعي على الجمعيات، بل تعداها إلى الأفراد من أبناء
الإمارات. فلقد أطلقت حملة «المليون متطوع» بهدف استقطاب مليون متطوع من مختلف فئات
المجتمع وفي مختلف التخصصات، من الرجال والنساء، للمشاركة بمليون ساعة تطوع في
التنمية المجتمعية والاقتصادية، في المجالات الصحية والبيئية والتعليمية والثقافية،
في مبادرة سفراء الإمارات التي استقطبت ما يزيد على 30 ألف متطوع، لإيصال رسالتها
الإنسانية إلى 100 مليون عربي وإفريقي، تحت إطار تطوعي ومظلة إنسانية.
ومع هذا الإقبال الكبير من أبناء الوطن على العمل التطوعي، إلا أنني أرى أن
ثقافة التطوع ما زالت تحتاج إلى الكثير من الجهد لنشرها بين أبناء الوطن لإدراك
قيمته والإقبال عليه، وهذا يتطلب السعي الدؤوب من الجهات المختصة؛ الأسرية
والتعليمية والإعلامية وغيرها، لتعزيز ثقافة التطوع وغرس قيم التضحية، وتنمية روح
العمل الجماعي في نفوس الناشئة منذ السنوات الأولى من عمر الطفل، وتوعية الشباب إلى
قيمة التضحية والعطاء.