محمد الباهلي
دور على الساحة الفنية المصرية هذه الأيام نقاش واسع حول ما أصاب الفن
السينمائي من أزمة، وسبب النقاش هو فيلم «حلاوة روح» الذي أمر رئيس الوزراء
المصري بوقف عرضه، حيث وصلت النقاشات المطولة إلى أن الفيلم يشجع على
الانحراف لما تضمنه من مشاهد ومناظر فاضحة تشكل خطراً على قيم المجتمع وعلى
حقوق الطفل، إلى درجة أنه قال عنه الناقد السينمائي رامي عبدالرزاق
(الأهرام 2014/4/19): «لو أن جهة ما تريد هدم مجتمع، حضارياً وفكرياً
ونفسياً، فلن تجد عائلة بأكملها تعمل في مجال الفن ولديها شهوة الابتذال
وتستطيع إفساد الشعور العام مثل عائلة السبكي التي يمكن أن تتولى بجدارة
مسؤولية تلطيخ الوجدان الشعبي في أي حرب سرية لهدم أمة بأكملها». وهو حسب
الناقد خيرت البشلاوي (الأهرام 2014/4/18) يفوق المولوتوف في خطورته.
هذا
الوضع الذي أصاب السينما في مصر وجعلها اليوم مثار نقاش، في تصوري، ليس
بالأمر الجديد، حيث إن بعض نقاد السينما حذروا من مخاطره منذ عقود عدة،
لاسيما بعد أن دخل في هذا المجال مجموعة من المغرضين وأصحاب المصالح،
وقالوا إنه لو استمرت السينما على هذا الحال وفي قبضة مثل هؤلاء المقاولين،
فسوف يؤدي ذلك إلى تلويث الفن وتحويله إلى أداة لهدم المجتمع وقيم الفن
الأصيل وصورة الإبداع. وفي 5 مارس 1999 فتحت مجلة «المصور» هذا الموضوع تحت
عنوان «أقلام الجنس لن تنقذ السينما المصرية»، حيث تساءلت المجلة عن سبب
تزايد المشاهد العارية؛ هل هو إفلاس أم أن الإسراف في الجنس ينقذ السينما
من أزمة انصراف الجمهور عنها؟
والحقيقة أن هناك علاقة جدلية بين السينما التجارية والمشاهد المبتذلة،
خاصة بعد أن دخل سوق الإنتاج السينمائي أشخاص بعيدون عن هذه المهنة ولا
يفهمون قيمة هذا الفن وخطورته، همهم الأول والأخير هو الربح المادي فقط،
لذلك جعلوا السينما التي يفترض أن تكون أداة لحماية القيم وخدمة المجتمع
والمساعدة في علاج مشاكله ودفعه نحو التنمية والتطور، جعلوها سلاحاً لهدم
القيم وبوابة لزيادة أرباحهم وتمرير صفقاتهم. لقد أصبح الفن السينمائي
لديهم مجرد جنس وإغراء، كل المطلوب من بطلة الفيلم أن تجيد فن الإغراء
لإنقاذ المنتجين من شبح الخسارة. لذلك لم أستغرب عندما نشرت إحدى الصحف في
عام 2006 أرقاماً كبيرة عن حجم الاستثمار في قطاع الأغاني والكليبات
العارية.
وقد لخص الصورة التي وصلت إليها السينما المصرية الدكتور
مصطفى محمود عندما كتب عن الفن الماجن (مجلة «اليمامة» 2005/9/17) قائلا:
«إن السينما في بلادنا لم تعد فناً بل فضيحة لكل من يعمل فيها ممثلا أو
منتجاً أو مخرجاً. لقد أصبحت شاشة كبيرة تروج فيها الغواية والفحش وتظهر
فيها شعوبنا ونساؤنا وبيوتنا بما لا يليق.. فبلادنا بريئة مما قالوا أو
صنعوا». ثم تساءل قائلا: «لا أدري كيف لا يندى جبين هؤلاء الممثلين الكبار
خجلا حينما يرون أنفسهم على الشاشة، وأي كسب مادي يعوض ما جرحوا به أهلهم.
إننا إذن لا نلوم أعداءنا ولا نشك في أنهم يهللون لهذه الموجة الهابطة من
الأقلام التي نجرح بها أنفسنا ونفضح نساءنا ونتهم شرفاءنا».