لا يخفى على أحد أن دول مجلس التعاون تعيش اليوم لحظة تاريخية حرجة، وتبدو فيها ثنائية الإمارات وقطر هي الأبرز، إذ يرجع الخلاف بينهما إلى سنوات مضت، حين كان ينحصر التنافس بينهما في النفوذ الاقتصادي والتنافس على المشاريع الاستثمارية الكبرى في الدول العربية وفي أوروبا وأمريكا أيضًا، إلا أن هذا التنافس تحول إلى خصومة بعد اندلاع الثورات العربية في عام 2011، حيث وقفت الدولتان على طرفي نقيض من الموقف من هذه الثورات، ثم تطور الوضع إلى عداء بعد تحول هذه الثورات إلى صراعات مسلحة في بعض الدول، ثم إلى اقتتال بالوكالة على أرض ليبيا.
مجلة "ماريان" الفرنسية أشارت في تقرير لها تحت عنوان "الخطط السرية لقطر وتركيا في ليبيا"، إلى أن ليبيا أصبحت قاعدة لتدريب المقاتلين الإسلاميين بدعم من الاستخبارات في هاتين الدولتين، وقالت إن ليبيا أصبحت ساحة للمنافسات الإقليمية، وتقف مصر والسعودية والإمارات في كفة، في حين أن قطر وتركيا في كفة أخرى.
المجلة أعادت الإشارة إلى حادث اغتيال العقيد إبراهيم السنوسي عقيلة وهو رئيس المخابرات العامة في شرق ليبيا، والذي اغتيل في مايو الماضي، لتأخذ المجلة من هذا الحاث مدخلًا للتذكير بتصريحات عقيلة عن مواقف تركيا وقطر في ليبيا، حيث كان قد ذكر في تصريحات إعلامية أن قطر تقوم بتمويل وتدريب جماعات إسلامية، من أهمها "أنصار الشريعة"، للتصدي لعملية الكرامة التي يقودها اللواء خليفة حفتر، الذي يهدف لإعادة نظام القذافي مرة أخرى.
تصريحات العقيد عقيلة تكررت من أكثر من مسؤول محسوب على حكومة الثني، غير أن قطر نفت التدخل لدعم أحد الأطراف المتقاتلة في الفترة الأخيرة. بينما لا يخفى الدور القطري في توفير السلاح والدعم اللوجستي للمقاتلين في الجبهات، والذين كان لهم الدور الأبرز في ثورة 17 فبراير التي أسقطت حكم القذافي.
دعم الإمارات للانقلابيين
تمويل قطر لجبهة الثوار الليبيين يقابله دعم وتسليح إماراتي لقوات حفتر، وأكثر من ذلك هو تدخل الإمارات بنفسها بجانب مصر في الأراضي الليبية، حين قامت طائرات إماراتية ومصرية بالعدوان على أهداف داخل ليبيا تتبع قوات الثوار.
صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أشارت إلى تزايد الدور الإماراتي في ليبيا، ووصفتها بأنها العدو للجماعات الإسلامية في المنطقة، وتبذل جهودًًا حيثة للحيلولة دون وصولهم إلى الحكم أو بقائهم فيه، كما حدث في العام الماضي، حين دعمت الجنرال عبد الفتاح السيسي للانقلاب على الرئيس المنتخب في مصر د. محمد مرسي.
ونقلت الصحيفة في تقرير لها عن مصادر ليبية تأكيدها أن الإمارات هي التي تزود بعض الميليشيات المسلحة في البلاد بالأسلحة والأموال، من أجل بسط نفوذها وسيطرتها وتنفيذ أجندتها المعادية للثورات العربية في ليبيا، تمامًا كما تفعل في كل من مصر وتونس واليمن.
وأوضحت الصحيفة أن دولة الإمارات تقدم دعمًا وتمويلًا لجماعات ذات توجه علماني في شرق ليبيا على الحدود الغربية لمصر، بهدف عرقلة جهود إرساء الاستقرار في البلاد، مشيرة إلى أن كتيبة القعقاع في منطقة الزنتان هي أكبر المتلقين للأموال والأسلحة الإماراتية، للعمل على مناهضة الإسلاميين واتساع رقعة نفوذهم في البلاد.
اعتراف حفتر
واعترف خليفة حفتر مؤخرًا، بأن مصر والإمارات والسعودية أرسلت أسلحة وذخائر إلى قواته لمحاربة حركات الثورة الليبية.
اعترافات حفتر جاءت في تصريحات لصحيفة "كوييري ديلا سيرا" الإيطالية – بعد ساعات من زيارة عبد الفتاح السيسي إلى روما وباريس لمناقشة الملف الليبي، وقال فيها: إن السلاح الآتي من الدول العربية هو سلاح قديم، وطالب الأوروبيين بأن يقدموا له سلاحًا وعتادًا أحدث.
إصرار الإمارات على التدخل السافر ضد ثورات الربيع العربي قد يفسره البعض بخوف أبو ظبي من انتقال عدوى الثورات إليها وإلى دول الخليج والسعودية، غير أن آخرين يرون أن التنافس مع قطر يعتبر واحدًا من أهم دوافع الإمارات للتدخل في مصر وليبيا، وغيرها من دول المنطقة.