راهنت إيران على الحوثيين في السيطرة على اليمن مقابل حصار السعودية للمكون الرئيسي للإسلام السياسي المعتدل القادر على مواجهة الحوثيين وهو حزب الإصلاح اليمني الذي يعتبر النسخة اليمينة من الإخوان المسلمين، وساند السعودية في هذا الحصار قيادات إماراتية رفيعة أخذت الدولة كلها في هذا الاتجاه.
هذه الحكومات الخليجية كانت تعتبر أن الإخوان المسلمين والشيعة هما العدوان الرئيسان اللذان يجب مواجهتهما "والقضاء عليهما" في جميع المنطقة. وكانت جهود هذه الدول تسير بخط متساو ومتواز في مواجهة الإسلام الوسطي والمليشيات الشيعية المسلحة. غير أن اندلاع ثورات الربيع العربي جعلت حكومات خليجية تعيد ترتيب أولوياتها بصورة جذرية، فجعلت العداء مع الإسلام الوسطي هو الأولوية وتأخير مواجهة المليشيات الشيعية إلى مراحل لاحقة.
وبدأ تغيير الأولويات في دعم السعودية والإمارات لعزل الرئيس المصري محمد مرسي في انقلاب الثالث من يوليو 2013، وهو توصيف يحظى بأغلبية كبيرة في الأوساط السياسيةوالإعلامية الدولية وليس العربية فقط، وكان أحدث من اعتبر أن عزل مرسي انقلابا هوصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في افتتاحيتها الصادرة بتاريخ 5 من الشهر الجاري.
بعد عزل مرسي، أعلنت السعودية ومصر ومن قبلهما الإمارات بأن الإخوان المسلمين هي حركة إرهابية، وتم التعامل معها على هذا الأساس. فأينما وجد للإخوان مكان في معارضة أوحكومة كان يواجه بضغوط خليجية سياسية وعسكرية للإطاحة بالإخوان المسلمين ليس من الحكم فقط بل حتى من وجودها كحركة معارضة. وقد تم ترجمة هذه التوجهات في تونس عندما دعمت الإمارات والسعودية المعارضة التونسية لتغيير حكومة حزب النهضةا لتونسية التي كانت ضمن شراكة سياسية وليست متفردة في الحكم، وفي ليبيا لا تزال تتواتر الأنباء التي تؤكد توجيه سلاح الجو الإماراتي عدة ضربات جوية لفصائل ليبية مسلحة محسوبة على الإسلام الوسطي لصالح اللواء المتمرد خليفة حفتر.
في هذا السياق للسياسة الخارجية السعودية والإماراتية، جاء الصراع المسلح بين الحوثيين وحزب الإصلاح اليمني ضمن ما يمكن أن نطلق عليه سياسة الاحتواء المزدوج، وهي ذات السياسية التي اتبعها الغرب في مقاربته للتعامل مع إيران والعراق بدخولها حربا امتدت ثماني سنوات بهدف استنزافهما واحتوائهما، وكانت دول الخليج جزء من هذه الاستراتيجية عندما كانت تدعم نظام صدام حسين في تلك الحرب.
ويبدو أن هذه السياسة أرادت لها السعودية والإمارات أن تتكرر بين الحوثيين والإصلاحيين في اليمن. مصادر مطلعة تحدثت للقدس العربي مؤخرا أكدت أن حزب الإصلاح اليمني أدرك"اللعبة" التي يراد استدراجه إليها، فانسحب من صنعاء دون قتال، فوقع ماوقع، وخسرت السعودية والإمارات استقرار اليمن وما يمثله اليمن من موقع إستراتيجي مطل على خط تجارة النفط الخليجي والذي يسعى الحوثيون للسيطرة عليه، ليكون الخليج بين فكي كماشة إيران والحوثيين في أسوأ وضع إستراتيجي على الإطلاق.
الحوثيون لا يزالون يتمتعون بقوتهم بل وتضاعفت بعد مصادرتهم سلاح الجيش اليمني في صنعاء،وحزب الإصلاح المنسحب ربما نقل مصادر قوته خارج العاصمة بعد انسحابه، أي أنه لايزال يمتلك القوة العسكرية فضلا عن القوة البشرية والعمق الشعبي والبيئة الحاضنة في صنعاء.
المعادلة القائمة
السعودية خسرت نفوذها باليمن لأن الحوثيين هم من يحكم اليمن بالفعل، ومن يشكك بذلك، عليه أن يرى كيف اعترضوا على اختيار الرئيس هادي لرئيس وزراء، ما اضطر هذه الشخصية (بن عمر) للاعتذار عن قبول تشكيل حكومة ورضخ الرئيس اليمني لذلك.
الحوثيون يحكمون ويسيطرون وينتقمون من خصومهم السياسيين وينكلون بهم. الإصلاحيون لم يبلوروا بعد خطة للتعامل مع الواقع الجديد، إن كانوا سيقبلون به أو يثورون عليه. وبطبيعة الحال، الدولة اليمنية منهكة والجيش على ما يبدو موزع الولاء.
في ظل هذا الوضع الجديد، سيتعرض أمن السعودية وأمن الطاقة في الخليج للخطر والتهديد وهو ما يضع السعودية أمام تحديات وتساؤلات كبيرة لا بد أن تحسم بها خياراتها في أسرع وقت ممكن، وأسرع من تغول الحوثيين في اليمن.
سياسة السعودية والإمارات أخفقت في المنطقة، بل أدت لفوضى إقليمية عارمة، عندما دعمت عزل رئيس منتخب وأخفقت في عزل رئيس قتل شعبه (بشار الأسد)، واستبدلت العداء مع المليشيات الشيعية مع الإسلام الوسطي الذي لا يحمل السلاح في معظم الدول العربية باستثناء حالة اليمن لخصوصيتها القبلية. فهل تدعم السعودية اللواء علي محسن الذي لجأ إلى الرياض بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، وإعادة التعامل مع حزب الإصلاح اليمني والدولة اليمنية لمواجهة الحوثيين الذين يستهدفون جميع مكونات المنطقة سواء حكومات سنية أو شعوب أو أحزاب سنية سواء أكانت معارضة أم موالية؟ وهل المعارضة السياسية كالمليشيات المسلحة التي تسقط العواصم والأنظمة وتسرق سلاح الدولة؟
السعودية والإمارات اليوم أمام تساؤلات ملحة ولا بد أن تجيب عنها، هل تفضل الحكم الشيعي المطلق على الشراكة السياسية مع الأحزاب السياسية، هل تفضل الفوضى الإقليمية على الاستقرار؟ إلى متى ستظل تعتبر أن ثمن الاستقرار الداخلي في الخليج ثمنه الفوضى في دول الربيع العربي؟ هل تعتقد السعودية والإمارات أن عبد الفتاح السيسي يختلف كثيرا عن صدام حسين الذي كان صديقا سابقا ضد أطماع إيران ثم استدار عدوا للخليج؟ نأمل أن تجيب السعودية عن هذه التساؤلات قبل فوات الأوان.