أحدث الأخبار
  • 12:59 . كهرباء ومياه دبي تدعو المتعاملين لتطبيق الإجراءات الاحترازية قبل بدء موسم الأمطار... المزيد
  • 12:15 . الذهب يستقر مع ترقب المستثمرين للانتخابات الأمريكية وخفض محتمل لأسعار الفائدة... المزيد
  • 12:15 . أسعار النفط ترتفع بأكثر من دولار بعد تأجيل "أوبك+" زيادة الإنتاج... المزيد
  • 12:14 . "إسرائيل" تبلغ الأمم المتحدة بقطع العلاقات مع الأونروا... المزيد
  • 12:09 . مقتل قائد وطيار بـ”الحرس الثوري الإيراني” بتحطّم طائرة على الحدود الجنوبية الشرقية... المزيد
  • 11:49 . أوبك+" تؤجل زيادة إنتاج النفط المقررة في ديسمبر لمدة شهر... المزيد
  • 11:39 . مارتينيز يقود إنتر للفوز على فينيتسيا بالدوري الإيطالي... المزيد
  • 11:37 . السودان.. البرهان يقيل وزراء الخارجية والإعلام والأوقاف... المزيد
  • 10:41 . "وول ستريت جورنال": إيران تستعد للرد على "إسرائيل" باستخدام رؤوس حربية أقوى... المزيد
  • 01:00 . الإعلام الإسرائيلي يكشف هوية المتهم بفضيحة التسريبات من مكتب نتنياهو... المزيد
  • 12:37 . تشيلسي يفرض التعادل على مانشستر يونايتد في قمة الدوري الإنجليزي... المزيد
  • 12:20 . الحكومة الإماراتية تبدأ اجتماعاتها السنوية في أبوظبي... المزيد
  • 10:16 . تحقيق أمريكي: "إسرائيل" لم تقدم أدلة تُذكر على وجود حماس بمستشفيات غزة... المزيد
  • 09:57 . برشلونة يواصل التألق ويحسم ديربي كاتالونيا أمام جاره إسبانيول... المزيد
  • 09:25 . السودان يوجه ضربة قاسية لأبوظبي بسبب "ضلوعها في الحرب"... المزيد
  • 08:55 . أمير الكويت يبحث مع رئيس طاجيكستان العلاقات الثنائية والمستجدات الإقليمية والدولية... المزيد

المال العام الضحية الأقل قيمة في الإمارات.. عمليات احتيال أم أخطاء فنية؟!

خاص – الإمارات 71
تاريخ الخبر: 29-05-2020

في دولة مثل الإمارات، نفطية وثرية وتمتلك صناديق سيادية كبرى، يغدو المال العام فيها مسألة بالغة الأهمية والحساسية من جهة، ومطمعا وموضعا لعدد واسع من الجرائم الاقتصادية من فساد واحتيال ونهب وسوء استخدام من جهة ثانية. في المال العام، لا يوجد أخطاء فنية يمكن التسامح معها، بل تقع تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة تحت بند الإهمال والتقصير، أيضا. ولكن، ما هو واقع المال العام في الإمارات، على ضوء تكرار انكشاف البنوك الوطنية على عدد من الشركات مؤخرا بما يقارب 8 مليارات دولار، من المسؤول عن هذه "الوقائع"، ما هو دور السلطات فيها، لماذا لم تمنعها، كيف تعاملت السلطات مع "أبطال" هذه القصص وما هي الحقوق التي منحتها لهم؟! وهل تسعى لاستعادة الأموال المنهوبة؟

ما هي أحدث هذه القضايا، ومن هي جنسية رجال الأعمال المتورطين فيها؟

على مدار الأسابيع القليلة الماضية، انشغل الرأي العام الإماراتي بمتابعة قضية رجل الأعمال الهندي "آر بي شيتي"، الذي يترأس أكبر شركة صحية في الشرق الأوسط ومقرها أبوظبي، "إن إم سي"، والتي انكشفت على البنوك الوطنية بـ6.5 مليار دولار.

وبينما كان الإعلام الإماراتي يتحدث عن "شيتي" الهارب إلى بلاده بعد هذه القضية، كُشف النقاب عن شركة أخرى يمتلكها أيضا رجل الأعمال الهندي يدعى "غوراف داوان"، تبين أنها مكشوفة للبنوك الوطنية بنحو 2.5 مليار دولار، ليبلغ المجموع خلال هذه الفترة القصيرة 8 مليارات دولار، وهي نحو نصف ميزانية الحكومة الاتحادية لعام 2020، وفق صحيفة "الإمارات اليوم".

وإذا يقال إنه لا جنسية للجريمة، فقد كان ملفتا للمراقبين أن رجال أعمال هنود هم "أبطال" هذه القضايا التي يرى فيها قطاع واسع من الإماراتيين أنها عمليات نهب واحتيال أكثر منها سوء إدارة أو إهمال. ولم يفوت شامتون الفرصة لإطلاق نكات، إذ نشروا سؤالا يوجهه مذيع لطفل عن أمنيته عندما يكبر، ليجيب الطفل: "تاجر هندي بالإمارات!". الأمر ليس طرفة تثير الضحك، بقدر ما هي تعبير عميق عما وصل إليه الحال، باستخدام الفن الساخر الذي بات أحد أدوات النقد الرئيسة للظواهر المختلفة في المجتمع.

ولكن، هل كان شيتي ومواطنه أول من تجرأوا على المال العام؟

تاريخ البنوك ورجال الأعمال في الدولة، يؤكد أن هناك عمليات "سطو" سابقة على المال العام بمبالغ فلكية أيضا منذ نحو عقدين ونصف. ومع ذلك، لم يستخلص أحد العبر، والحكومة لم تتدخل والقوانين الرادعة لم تُسن، ولا متابعات عبر الانتربول ولا اتفاقيات أمنية لاستعادة الأموال المنهوبة،  ولا حتى مذكرة اعتقال واحدة أصدرها ضاحي خلفان يعرضها على حسابه في تويتر، ولا أي نوع من الإجراءات المضادة التي تكفل، على الأقل، عدم تكرار هذه الوقائع، سواء أكانت نهب واحتيال أم سوء تقدير، بل إن العكس هو ما حدث، كما سنتابع بعد قليل.

غوراف داوان

"أشهر حالات الاحتيال على البنوك"، هذا العنوان وضعه الإعلام الحكومي وهو يسرد عددا منها، وهو ما يعني أن الإعلام الرسمي الذي يمثل الحكومة تدرك أننا أمام عمليات احتيال وليس مجرد سوء تقدير أو أخطاء فنية بحت، مع أنه لا عذر في هذه الحالات، بل هناك محاسبة أيضا.

"احتيال السحر الأسود"

ضاع 242 مليون دولار (نحو 888 مليون درهم) من أحد البنوك في الدولة عام 1995، هي سرقة شخص إفريقي يدعى، فوتانغا سيسوكو، أقنع مدير البنك وقتها بقدرته على مضاعفة الأموال عن طريق السحر، ما جعل الأخير يقوم بـ183 عملية تحويل لحسابات «سيسوكو» حول العالم آنذاك.

"ولم يسترد البنك أياً من هذه الأموال، كما لم يعاقب السارق المحتال ولم يدخل السجن"، وهذا التعقيب أيضا يعود للإعلام الحكومي.

قضية الهندي "باتيل"

تمكن الهندي، مادهاف بجوبهاي باتيل، عام 2000 من الحصول على مليار و200 مليون درهم من 13 بنكاً لتقديمه مستندات مزورة مكنته من الحصول على تسهيلات مالية من تلك البنوك، ولاذ بالفرار خارج الدولة. وكان من المثير للاستغراب ما قاله رئيس بنك المشرق عبد العزيز الغرير آنذاك، من أن قضية باتيل لن تؤثر على بقية رجال الأعمال الهنود، علما أن بنك المشرق انكشف على باتيل بخمسين مليون درهم، ويبدو أن رجال الأعمال هم الذين تعلموا الدرس وليس بنوك الدولة.

الانكشاف على مجموعتي سعد والقصيبي

بلغ إجمالي ما حصلت عليه مجموعتا سعد والقصيبي عام 2009 أكثر من 34.6 مليار ريال (9.3 مليارات دولار) من بنوك محلية  وعالمية،  وأفصحت 7 بنوك محلية من أصل 13 بنكاً وقتها عن قروض بقيمة 4.1 مليارات درهم.

إذن، لدينا تجربة وخبرة كافية في مثل هذه القضايا المتكررة، وليس من المتوقع أن تكون قضية شيتي الأخيرة، بحسب ناشطين مطلعين على مدى جدية التعامل الرسمي مع المال العام.

كيف تعاملت السلطات مع قضية شيتي ومواطنه؟

على الفور، سمحت السلطات لوسائل الإعلام الرسمي بانتقاد البنوك الوطنية وإظهار أنها هي السبب في هذه القضايا المتكررة في محاولة لإعفاء نفسها من مسؤولياتها.

المطلعون على الإدارة في الدولة، يدركون أن البنوك تعمل في إطار تشريعي تسنه الحكومة نفسها، وأن البنوك لا تملك "رفاهية" مخالفة القوانين ولا مشاكسة كبار المسؤولين في الدولة الذين يتولى بعضهم إدارة هذه البنوك.

فأبوظبي التي تتدخل في كل شيء، لم تفعل شيئا على صعيد حماية المال العام، سواء أكانت البنوك طرفا في هذه المكشلات أم لا. فالذي يفرض خطبة الجمعة على المساجد في الدولة لا يمكن له أن يغفل عن حماية المال العام وتنظيم القطاع المصرفي، والذي يسيطر على حرية التعبير ويفرض عقوبات قاسية على تغريدة، يمكنه تغليظ العقوبات لحفظ المال العام.

في المقابل، يقول البعض إن السلطات كانت ضحية أيضا لاحتيال "شيتي"، مستدلين على أن بنك أبوظبي الأول، وهو أكبر بنك في الدولة، ويترأس مجلس إداراته شخصية أمنية رفيعة، فبعد رئيس الدولة سمو الشيخ خليفة، وبعد نائبه سمو الشيخ محمد بن راشد، وبعد الشيخ محمد بن زايد، فإن رابعهم هو الشيخ طحنون بن زايد، المستشار الأمني لدولة الإمارات، ومع ذلك كان هو وبنكه ضحية لـ "شيتي"!

ومع ذلك، لم نجب عن التساؤل: كيف تعاملت السلطات مع هذه القضية؟

أيضا، سمحت السلطات، وفي تصرف مستهجن، لوسائل الإعلام الحكومية نشر وجهة نظر الهارب "شيتي"، ونشر بيانات أصدرها يدافع فيها عن نفسه بل ويتهم صغار المدراء في شركاته بأنهم هم المسؤولون عن هذه القضية.

فنشرت صحيفة "البيان" و"الإمارات اليوم"، وغيرها ما أخذ يردده "شيتي" من مزاعم، ما أثار تساؤلات جوهرية لدى الإماراتيين، كيف يمكن أن ينشروا "لمتهم" بياناته وتصريحاته التي يدافع فيها عن نفسه، وتخصص الصحف مساحات واسعة لما يقوله ، وهي الصحف نفسها التي تتهمه بالسرقة والنصب والاحتيال.

رئيس تحرير صحيفة "الإمارات اليوم"، على سبيل المثال، سامي الريامي كتب سلسلة مقالات حول "شيتي"، قال في بعضها: "سئم المجتمع ما يحدث في المصارف، إنها أموال وثروات مهدرة، أُهدرت بتعمد، وبممارسات سلبية معروفة، من أناس معروفين، هم بعينهم دون غيرهم، فعلوها مراراً وتكراراً، وأساليبهم معروفة وواضحة، ويعرفها كل من يتعامل معهم، ومع ذلك لم يوقفهم أحد، ولم يحاسبهم أحد..، حتى استطاع عدد منهم الهروب بأموال كثيرة، وبطرق سهلة". وأكد:"هناك من يعتقد أن القضية كبيرة، ولا تخلو من عمليات نصب واحتيال".

ومع ذلك، لم تمر سوى أيام حتى تحول إعلامنا الحكومي إلى موظف "علاقات عامة" لدى "شيتي". 

التساؤل الجوهري، هنا إذن: ما الذي لم تفعله السلطات في هذه القضية؟!

في الواقع، يمكننا إعادة التساؤل على النحو التالي: كيف اختلف تعامل السلطات مع "شيتي" عن تعاملها مع معتقلي الرأي؟!

على صعيد الإعلام الحكومي، وبينما حظي"شيتي" بمعاملة تمييزية لا يستحقها، من خلال نشر بياناته المضللة، انخرط الإعلام الحكومي في حملة منظمة من تشويه  معتقلي الرأي في الدولة وسعى لإسقاطهم شعبيا. وإذا قدمت السلطات مسلسل "خيانة وطن" للافتراء على معتقلي الرأي، هل تستطيع أن تنتج مسلسلا بعنوان "سرقة وطن"، للحديث عن "شيتي" وأمثاله؟!

أبوظبي سنت الكثير من القوانين المثيرة للجدل، بحسب منظمات حقوقية، لتكبيل الناشطين والسيطرة على مختلف المجالات في الدولة، فهل لها أن تضع قوانين لمحاسبة شيتي وأمثاله؟! أبوظبي ووزارة الداخلية عقدوا اتفاقيات أمنية، حتى مع الهند، للتعامل مع المجرمين الفارين والقبض عليهم، فماذا فعلت أبوظبي على هذا الصعيد، هل لجأت إلى الانتربول، لاعتقاله؟!

ضاحي خلفان الذي سبق أن تباهى بإصدار مذكرة اعتقال بحق أحد علماء المسلمين كونه انتقد سياسة الإمارات، لم يصدر مثل هذه المذكرة بحق "شيتي"!

أبوظبي اخترقت الأمن الإندونيسي من أجل اعتقال ناشط خيري إماراتي قبل نحو 3 أعوام، فماذا فعلت لجلب "شيتي"؟! ماذا فعل مستشار الأمن الوطني لاستعادة أموال بنوك الدولة، ألا يعتبر ما فعله "شيتي" إرهابا اقتصاديا، فضلا أن حماية اقتصاد الدولة هو من صميم عمل جهاز الأمن بمستوياته المختلفة؟!

تساؤلات كثيرة، بلا إجابات، ستظل قائمة حتى تنتهي ظاهرة "شيتي" أو حتى تقدم السلطات المعنية في الدولة إجاباتها، إلا إذا هي أيضا تواجه سؤال "الحرص على المال العام"، وفق ما طرحه الأكاديمي عبد الخالق عبد الله في تغريدة له، عندما لمز أبوظبي في إساءة استخدام المال العام، بعد تبديد أموال استوردت بها أدوية ملاريا لمعالجة كورونا، ثبت عدم جدواها.

وللمفارقة، وربما للسخرية، فإن الهند هي أيضا مصدر هذا الدواء، و"شيتي" متخصص في استثمارات الصحة والأدوية، فهل قايض "شيتي" هذا العلاج بمليارات الدولارات؛ فظفر بأموالنا ثم باعنا دواء غير مناسب؟! هل يثير الأمر الضحك أم البكاء؟!