اليوم هو العشرون من أبريل الذي يصادف الذكرى السنوية السادسة لاعتقال شيخ الإصلاحيين الإماراتيين "سلطان بن كايد القاسمي"، والذي أدرجته منظمات حقوق الإنسان "معتقل رأي". فلماذا اعتقل الشيخ القاسمي، وهل ما حذر منه في "المقال" واقع يعيشه الإماراتيون اليوم، ولماذا لم تتحرك الدولة لوجعه؟!
مقال كرامة وطن.. يختزل الماضي والحاضر والمستقبل
عندما اشتدت محنة الإماراتيين الأمنية والحقوقية في أعقاب الربيع العربي، وأخذ جهاز الأمن ينتقم محليا بالشعب الإماراتي الذي لم يكن طرفا في الثورات العربية، من سحب جنسيات واعتقالات وتوحش جهاز الأمن وتغوله، على ما يقول ناشطون، كتب الشيخ القاسمي مقال "كرامة وطن"، ليكون الثمن الذي يدفعه هو الاعتقال والإخفاء القسري ثم اتهامات عجز جهاز الأمن على إثباتها، فحكم بالسجن 10 سنوات.
مقال "كرامة وطن" لم يكن لحظة غضب وانفعال بقدر ما هي لحظة استبصار واستيعاب لتلك السنوات العجاف المتواصلة، والتي حذر الشيخ القاسمي من إطلاق العنان لجهاز الأمن في أن "يحكم" الدولة، على أنقاض المؤسسات الشرعية والدستورية.
لقد كان الشيخ القاسمي واضحا، عندما قال:" "إذا استمر تقديس القرارات الخفية لجهاز أمن الدولة فسيأتي غداً على جميع مكتسبات الوطن في حرية الإنسان وكرامته". وأكد أن "الوطن بالمعنى المجرد يتكون أساساً من أرض وبشر، وإن اللحظة التي نفرط فيها بواحد من إخواننا مواطني هذه الأرض الطيبة، لا تختلف عن اللحظة التي نفرط فيها بقطعة من أرض الوطن".
وناشد الشيخ القاسمي رئيس الدولة، بإطلاق "مبادرة حكيمة توازن بين هيبة الدولة من جهة وكرامة المواطن من جهة أخرى. "بتحرير الحياة المدنية من الهيمنة الأمنية" والحد من الصلاحيات المطلقة لجهاز الأمن.
المقال "كلمات حية" و واقع معاش
في الوقت الذي نشر فيه الشيخ مقاله النادر، انتشر بسرعة فائقة في أوساط الإماراتيين، وكان له وقع الترحيب من جانبهم. ومع ذلك، فإن كلمات الشيخ القاسمي لم يكن ليكتب لها الحياة لولا المحنة والاعتقال الذي تعرض له طوال هذه السنوات. كان من الممكن أن يمر المقال بصورة عابرة، غير أن مضمونه أبى إلا أن يتحول اليوم إلى وثيقة، سجلت مواقف دعوة الإصلاح في تلك اللحظة التاريخية لتكون شاهدا على ما يقع اليوم في الدولة وما يلاقيه المواطنون، جراء ما حذر منه كاتب المقال: الشيخ القاسمي. لقد تحول المقال إلى كلمات حية يبصرها الإماراتيون، كونها غدت واقعا مريرا يتحقق، ولأن الشيخ القاسمي دفع ثمن "حياة" هذا المقال: حريته كاملة!
الدولة تعيش ما حذر منه الشيخ القاسمي
حذر الشيخ القاسمي من تغول جهاز الأمن، وتوغله، في مؤسسات الدولة و وزارتها . وأكد تقرير حقوقي نشره موقع "هافينغتون بوست" بنسخته الإنجليزية عام 2016 أن جهاز أمن الدولة "هو النسخة الحديثة من جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية عام 1980، إذ يسيطر جهاز أمن الدولة في الإمارات على معظم ما يحدث في الدولة".
ويؤكد التقرير على بعض أوجه الشبه بين ما وصفه ديكتاتورية أبوظبي وأنظمة أوروبا الشرقية، مثل: خنق المعارضة والصحافة الحرة، والانتخابات المزورة، والمحاكمات الصورية، والتعذيب، إلى التشابه الصارخ بين دول الكتلة الشرقية القديمة وبين دول الخليج في القيود على السفر.
ومنذ نشر مقال "كرامة وطن"، وتفشى "وباء الأمن" في مجالات الحياة كافة، فنتج عنه عسكرة المجتمع وتحويله إلى خلية أمنية جراء عشرات الخطط والمبادرات الأمنية التي استحوذت على الشعب الإماراتي والمقيمين دون أن يشعروا في مشروعات أمنية وعسكرية، كان أبرزها إرسال قواتنا المسلحة إلى حروب خارجية، فضلا عن عقد مجالس لوزارة الداخلية وإطلاق مبادرات أمنية، إلى التوسع الكبير في برامج الرقابة والتجسس على الإماراتيين وفق ما تكشف التقارير الحقوقية والتقنية الغربية. حتى ما يسمى "مجلس حكماء المسلمين" وما يسمى "المجلس العالمي للأقليات المسلمة" مؤخرا، و ما يسمى "قوافل السلام" كلها مشروعات أمنية في حقيقتها، بحسب ناشطين.
الدولة تعيش انفجارات اجتماعية واقتصادية
وإزاء تحول الدولة إلى ورشة أمنية وعسكرية كبيرة، بات الإماراتيون يشهدون من حين لآخر انفجار اجتماعي واقتصادي تسعى الدولة لتطويقه بكل قوة. فزيادة المشروعات الأمنية والعسكرية خارجيا وصفقات السلاح محليا، دفع أبوظبي إلى فرض الضرائب ورفع الأسعار وابتداع ما يسمى "صندوق الوطن" وغيرها من طرق وأساليب لجباية الأموال لتغطية مشروعات الدولة الأمنية والعسكرية.
وأحدث انفجار اجتماعي كان صرخة مواطن لإذاعة عجمان يشتكي من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وقبله حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تشتكي رفع الأسعار وكان الحديث بشكل خاص عن رفع الغرامات على مخالفات السيارات بصورة لا تمنع حوادث السير، وقبلها صرخات مواطنين لا تتوقف على مواقع البث المباشر تتذمر من غلاء المعيشة ومن سوء أداء وزاة التربية والتعليم ومشكلاتها المزمنة، وشكاوى من مشاريع الإسكان و وزارة الصحة، وحتى إشارة مرور. وليس ببعيد حملة "أين التوطين يا وزير التوطين".
وإضافة إلى ذلك، تحتل الإمارات المرتبة 120 على مؤشر فريدم هاوس للحريات الصحفية، وتم تصنيفها دولة "غير حرة" لدى "مراسلون بلاد حدود"، فضلا عن التقارير الأممية والحقوقية التي باتت أبوظبي تشكل "حالة" مستعصية لدى هذه التقارير، سواء على صعيد الحقوق والحريات أو الاتهامات بغسل الأموال وتمويل الحروب الأهلية في ليبيا، وفتح سجون سرية في اليمن.
ومؤخرا، أسهم جهاز أمن الدولة مباشرة في أزمة لا تزال مستمرة مع تونس، لأن الجهاز أمر شركة طيران الإمارات بعدم نقل أي تونسية من عُمر رضيعة وحتى كبيرات السن بزعم تهديد إرهابي، فشن تونسيون حملة إعلامية قاسية نالت بالفعل من كرامة الإمارات والإماراتيين.
وبعد تونس، أزمة مع جيبوتي، فأزمة مع الصومال لتوقف أبوظبي مستشفى "زايد" في مقديشو وتسحب معداته بعد خلاف من عناصر أمن إماراتية مع السلطات الصومالية.
"الدولة تتحرك عندما يتوجع مواطن"
هذه هي الجملة الشهيرة التي أطلقها الشيخ محمد بن راشد مؤخرا، إزاء تطويق الدولة ومحاصرتها لتداعيات "متصل" إذاعة عجمان. ومع ذلك، فإن هذا الموقف الوطني لنائب رئيس الدولة لم يوفق للاستماع إلى وجع الشيخ القاسمي وأوجاع عائلته وعشرات آلاف من طلابه الذين درسوا منهاجه في مدارس التربية أو في جامعة الاتحاد، خاصته.
اليوم، وجع الشيخ القاسمي وأوجاع عشرات ألوف الإماراتيين متواصلة جراء اعتقال عشرات آخرين من زملاء الشيخ القاسمي في القضية المعروفة إعلاميا الـ"94"، دون أن يلتفت إليهم أحد.
أوجاع إنسانية وحقوقية و وطنية متراكمة عجز عن الاستجابة لها أي عفو من عشرات أوامر العفو التي صدرت عن حكام الإمارات منذ اعتقال الشيخ القاسمي، أوامر عفو فاقدة الحواس والإحساس بهذه الأوجاع التي تفوق وجع جوع مواطن هنا أو مواطنة يسقط سقف منزلها على أطفالها، بسبب ما حذر منه الشيخ القاسمي الذي كان يعني ما يقول في مقاله "كرامة وطن".
شعب يدرك معنى الكرامة
في مقاله، وبكل ثقة بالشباب الإماراتي قال الشيخ القاسمي: "لقد تغير الزمان، وشعوبنا لم تعد بسيطة بدائية، وأصبح وعيها بحقوقها ليس كما كان في زمن الآباء والأجداد، وانكسر حاجز الخوف وانتهى، فلا نكسر حاجز الحب والاحترام بأيدينا".
لذلك، يؤكد إماراتيون إن وجعا مثل وجع الشيخ القاسمي وزملائه، جدير بأن يحرك دولة وشعبا بل أمة في عمقها الخليجي والعربي، وهو يعايش الأزمة الخليجية والتي جاءت بسبب ما حذر منه القاسمي أيضا، كون الأزمة الخليجية أزمة أمنية بامتياز.
لمثل الشيخ القاسمي وزملائه يصدر العفو الذي لا يستثنيهم، ومن أجل كرامة الوطن والمواطن، آن أن يقول الإماراتيون لجهاز الأمن "كفى"، قبل أن يأتي على ما تبقى من كرامتهم! عندها قد لا نجد من يكتب "كرامة وطن" مجددا!