تدخل الحرب في اليمن عامها الرابع اليوم، مخلفة أكبر أزمة إنسانية يشهدها العصر الحديث، يرافقها فشل عسكري للتحالف العربي الذي تقوده السعودية منذ مارس 2015، فيما شهد الثلث الأخير من العام الماضي أبرز حدث في المشهد اليمني تمثل في مقتل الرئيس السابق على يد الحوثيين في ديسمبر تحديدا، على إثرة ترسخت سلطات المسلحين الحوثيين في كثير من المناطق اليمنية.
وعلى الرغم من إعلان الشرعية اليمنية والتحالف العربي المساند لها، تحرير ما نسبته 70% من أراضي اليمن، لكن المحافظات الكبيرة ذات التعداد السكاني الأعلى من بينها العاصمة "صنعاء" لا تزال تحت سلطات الحوثيين المدعومين من إيران منذ انقلابها على السلطة في 21 من سبتمبر 2014.
وعزا مراقبون السبب في إطالة الحرب في اليمن، إلى التوجه الجديد للتحالف خلال الثلث الأخير من العام المنصرم، والذي بدأ يتماشى بطريق مناقض لما تم الإعلان عنه في عاصفة الحزم وبعدها إعادة الأمل، حيث تداخلت أولويات التحالف العربي من "إعادة الشرعية"، إلى انشغال قيادته بالدفاع عن سمعته الدولية، وصد الهجمات الحوثية على الحدود السعودية، إضافة إلى مواجهة الصواريخ البالستية المتطورة للحوثيين.
ويرى آخرون، أن الخلافات السياسة التي عصفت بالدول المشاركة في حرب اليمن وبالتحديد (السعودية والإمارات)، وراء حدوث اضطرابات وتصدع سياسي داخل البيت اليمني المناهض للمشروع الحوثي، ألقي ذلك الخلاف بضلاله على إعاقة التقدم العسكري باتجاه تحرير باقي المُدن اليمنية من الحوثيين الموالين لإيران.
ويقول نشطاء يمنيون، إن التحالف فشل في بلادهم، مستدلين على ذلك، بعدم الرغبة في الحسم العسكري رغم قدرته التحالف والجيش اليمني الموالي للرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي على ذلك، إضافة إلى وجود أخبار تفيد بوجود مفاوضات سرية بين السعودية التي تقود التحالف والحوثيين.
وفي مارس 2015 أعلنت السعودية ومعها 10 دول خليجية وعربية ودولية، عن عملية عسكرية في الأراضي اليمنية، لاستعادة الشرعية ومؤسسات الدولة من قبضة الحوثيين المدعومين من إيران، وذلك بطلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
انحراف المسار
يرى مراقبون أن التحالف العربي قد انحرف عن ذلك الهدف المعلن في بداية الحرب، وأصبح اليوم يتجه متجه آخر مناقض للسلطة ومقوض لها في مناطق تخضع لسيطرتها".
على الصيد العسكري، يقول المراقبون إن العمليات العسكرية توقفت ولم يطرأ عليها أي جديد منذ فترة، باستثناء مواجهات متقطعة يقودها الجيش اليمني المسنود بالمقاومة الشعبية في مختلف جبهات القتال، فيما لجأ التحالف العربي إلى تحسين صورته أمام الغرب من خلال تدشين عمليات إنسانية بهدف ذر الرماد على العيون تجاه الجرائم التي تنتهك ضد المدنيين.
وعلى المشهد السياسي، توقفت الجهود الدبلوماسية لقيادة التحالف العربي في الدفع بالعملية السياسة إلى الأمام، واقتصرت على دعمها للجهود الأممية، وسط أنباء تفيد بلجوء السعودية إلى مفاوضات سرية مع الحوثيين ودون علم أو موافقة الحكومة الشرعية، وهو ما يشير بحسب مراقبين إلى فشل التحالف العسكري في حسم المعركة على الأرض وفقدان ثقته بالحكومة الشرعية التي عمل على اضعافها في مناطق تمت تحريرها.
وفي المناطق الجنوبية المحررة، تنشط الإمارات المشاركة في عمليات التحالف العربي، عبر قواتها المتواجدة هناك، في رسم المشهد بما يوائم توجهاتها السياسيّة والأيديولوجية، واجترحت، في كثير من الأحيان، سياسات تتعارض مع الاتجاهات العامة والأهداف المعلنة لعاصفة الحزم، من خلال الوقوف ضد الكيانات السياسية الداعمة للسلطة الشرعية، كحزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي، وسعت إلى استقطاب السلفيين، خارج الأطر العسكريّة الرسمية، لتشكيل ما سمي بقوات الحزام الأمنيّ، التي أوكلت إليها مهمة تأمين عدن ومحيطها".
وحسب مراقبين، فإن الإمارات ساهمت بشكل كبير في تغذية المناطقية داخل اليمن وعملت على توسيع الفجوة بين أبناء الوطن الواحد من خلال دعمها وتبنيها في تأسيس نخبة مسلحة تابعة لها في المحافظات الجنوبية، ترفض الانضمام إلى الجيش الوطني الموالي للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي".
تقويض السلطة الشرعية
حسب تقرير للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فإن التحالف العربي الذي تقوده السعودية قد انحرف عن مساره منذ وقت مبكر، وذلك في إطار التنسيق وتقاسم المهمات بين دول التحالف المشاركة، حيث أنيط بدولة الإمارات مسؤولية الإشراف على عدن وباقي المحافظات الجنوبيّة، فيما أوكلت مهمة الضربات العسكرية الجوية في الشمال حيث يتمركز الحوثيين للسعودية على اعتبار أن ذلك يشكل خطراً على أمنها القومي وسيادة أرضيها الحدودية مع اليمن.
وخلال عمليات الحرب اليومية، حرصت الإمارات على رسم المشهد بما يوائم توجهاتها السياسيّة والأيديولوجية، واجترحت، في كثير من الأحيان، سياسات تتعارض مع الاتجاهات العامة والأهداف المعلنة لعاصفة الحزم، من خلال الوقوف ضد الكيانات السياسية الداعمة للسلطة الشرعية، كحزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي، وسعت إلى استقطاب السلفيين، خارج الأطر العسكريّة الرسمية، لتشكيل ما سمي بقوات الحزام الأمنيّ، التي أوكلت إليها مهمة تأمين عدن ومحيطها" وفقاً للمركز.
ويضيف المركز" سارت الإمارات على النهج ذاته في (محافظات) حضرموت (شمال شرق)، وتعز (جنوب غرب)، وشبوة (جنوب)، ، والحديدة غربي اليمن، بتأليف كتائب نخبة تابعة ورفضت ضم هذه التشكيلات إلى الجيش الوطني الموالي للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي"
وأوضح المركز أن ذلك، نتج عنه اضعاف للشرعية اليمنية، وقواتها الحكومية التي تواجه ميدانياً الحوثيين المدعومين من إيران، حيث سعت هذه التشكيلات إلى إعاقة عملة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً من عملها في عدن، وتطورت الأحداث إلى أن خرجت هذه التشكيلات التي ظلت سلطات أبوظبي تنفق عليها وتمولها وتدربها على الدولة، وقامت بمواجهة القوات الحكومية بالسلاح والمعدات الثقيلة مما تسبب في تقوية الحوثيين أمام الرأي العام الدولي.
في موازاة ذلك، ووفق المركز البحثي، "استثمرت الإمارات في استقطاب فصيل مسلح تابع للرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، تحت قيادة نجل شقيقه "طارق صالح" عقب مقتل صالح في ديسمبر من العام المنصرم على يد شركائه الحوثيين، بعد ثلاث سنوات من الحرب والشراكة ضد الشرعية اليمنية والتحالف العربي المساند لها.
واتهم المركز القوات الإماراتية المتواجدة في عدن تحت غطاء التحالف العربي، بالشروع في افتتاح المعسكرات الخاصة بطارق صالح، واستقطاب الجنود الموالين لصالح في المحافظات الشمالية، وتسهيل تنقلاتهم إلى عدن دون علم أو موافقة من السلطات الشرعية اليمنية، التي تتخذ من المدينة عاصمة مؤقتة لها.
الحوثيون بعد مقتل صالح
يرى محللون سياسيون أن التحالف العربي بقياده السعودية، حتى وقت قريب من مقتل "صالح" كان يعول بشكل كبير عليه، كما أن رحيله على يد الحوثيين في ديسمبر من العام المنصرم شكل صدمة كبيرة لحسابات التحالف.
وبعد فقدان الورقة التي كانت تعول عليها قيادات التحالف لإنهاء الحرب في اليمن بتفكيك الداخل، كان عليها أن تبحث من جديد عن بديل، ولم يكن هناك من يستطيع لعب هذا الدور سوى حزب الإصلاح اليمني ذو التوجه الإسلامي، فهو القوة المنظمة الأكبر لاحتواء المشهد" بحسب مراقبون.
وسارع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومعه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى عقد لقاء عاجل ورسمي مع قيادة الحزب الإسلامي المحسوب على إخوان اليمن، في بادرة لم تكمن متوقعه، لكن مراقبون وصفوا ذلك بالتصرف الصحيح الذي من الممكن أن يغير من معادلة الحرب في اليمن لصالح الهدف العام للتحالف.
وشكل مقتل صالح إلى تقدم كبير في صفوف القوات الحكومة الشرعية، بعد عودة حزب المؤتمر وأنصار الشرعية والقبائل، مقابل تراجع الحوثيين، وتحقيق الكثير من الانتصارات على الأرض وسقوط الكثير من القيادات والضحايا".
وحسب مراقبين فإن التحالف لم يستغل الحدث على النحو المطلوب، وتجاهل عامل الوقت مما أفقده فرصة ثمينة كان من الممكن أن يتخلص إلى الأبد من الحرب في اليمن، وشكل خفوت التحالف وعدم قناعته بالحسم العسكري عقب مقتل صالح، تأثيرا كبيرا لدى الحوثيين، وسمح لهم في ترتيب صفوفهم من جديد وترسيخ أقدامهم على الأرض بعد تخلصهم من الشريك الذي أعلن قبل مقتلة فض الشراكة مع الحوثيين والانضمام للتحالف والبدء في صفحة جديدة.
الوضع الإنساني باليمن
تتحدث إحصاءات الأمم المتحدة عن وجود 10 آلاف ضحية من المدنيين منذ اندلاع عمليات التحالف العربي كما كشفت صحيفة واشنطن بوست في تقرير لها مؤخرا أن القصف الجوي المكثف والمتكرر على المناطق المدنية في اليمن تسبب في تعرض سبعة ملايين يمني لخطر المجاعة، وإلى حاجة عشرين مليون يمني إلى الإغاثة والمساعدات الإنسانية، ومعاناة 2.2 مليون طفل من سوء التغذية.
كما تتحدث الصحيفة عن انتشار الأوبئة والأمراض وأخطرها الكوليرا التي فتكت بأكثر من ألفي شخص، وأدت إلى موتهم، وتسببت في إصابة نحو سبعمئة ألف شخص آخرين، وتصف الأمم المتحدة انتشار الكوليرا في اليمن بأنها الأسوأ في التاريخ، مع توقعات بأن يصل عدد المصابين إلى مليون خلال الأشهر المقبلة.
وتتهم الأمم المتحدة التحالف العربي بالمسؤولية عن مقتل 700 طفل خلال عملياته في اليمن، إضافة لمسؤولية الحوثيين عن مقتل عدد مماثل، كما تحمل تقارير الأمم المتحدة التحالف المسؤولية عن الهجوم على 33 مدرسة، إضافة لـ19 هجوما استهدفت 16 منشأة صحية أغلبها تتحمل مسؤوليتها قوات التحالف العربي.
وقالت لين معلوف، مديرة البحوث للشرق الأوسط بمنظمة العفو الدولية في تصريح حديث، إن جميع أطراف النزاع في اليمن مستمرة في التسبب بمعاناة رهيبة للسكان المدنيين، مشيرة إلى أن المدارس والمستشفيات تحوَّلت إلى أنقاض، وآلاف الأشخاص أُزهقت أرواحهم، وملايين الأشخاص نزحوا عن ديارهم، وباتوا في حاجة ماسَّة إلى مساعدات إنسانية".
ومع نهاية العام الثالث وبداية العام الرابع 2018للحرب في اليمن، يبدو المشهد في اليمن غامض، والمستقبل مجهول في ظل سيناريوهات وتحالفات جديدة، وسط توقعات باستمرار الحرب لما بعد 2018، وربما ينتهي الأمر في بدايتها.