لم تكن تغريدة اللواء محمد الزفين مساعد القائد العام لشرطة لشؤون العلميات، في (25|10) الماضي، لتمر عابرة أو عارضة. فقد تلقفها مئات الناشطين الإماراتيين بالغضب والاستياء، واندلاع ما يشبه انتفاضة إلكترونية، ما دفع جميع قيادات الشرطة في الدولة إلى إعلان تخفيضات مرورية تصل إلى 55%. الأمر وصل إلى مطالب بتأجيل تطبيق القيمة المضافة في الدولة، فيما يطالب الإماراتيون كافة بإلغائها. فهل أشعل الناشطون الضوء الأحمر تعبيرا عن خطورة الأوضاع الاقصتصادية والاجتماعية في الدولة؟
شرارة الإنذار
كان الزفين واجه سيلا، لا يزال متواصلا، من الانتقادات الشعبية إزاء إعلانه "خطة مستقبلية للاعتماد على التقنيات الحديثة في الرادارات الذكية ". فقد قال صاحب حساب "نبض الإمارات": (بسنا فلوس يا محمد) نشفتوا دمنا الله يرضى عليكم .. نحن نشتغل عشان راداراتكم .. كفايه خلاص ارحمونا".
وقال حساب المحامي عبيد الشويهي، "إنجاز عالمي، عدد الرادارات أصبح أكثر عدد من مواطني الدولة، وأقترح بتخصيص جزء من الراتب للرادارات بدل الضريبة المضافة".
فربط الإماراتيين بين ما يجري وضريبة القيمة المضافة التي نشرت وزارة المالية لائحتها التنفيذية في (14|11) الجاري، أكد أن الإماراتيين يتابعون بقلق بالغ ما يصفه بعضهم بـ"تدهور أوضاعهم المعيشية والحياتية" منذ نحو 10 سنوات تقريبا، حتى وصل الأمر إلى فرض الضرائب في الدولة، بعد أن تخلى كبار المسؤولين فيها عن المفاخرة بنجاح الإمارات اقتصاديا بدون ضرائب. وبدلا أن نظل في قائمة "أول وأكبر"، بات المسؤولون يقولون إن 180 دولة في العالم تطبق هذه الضريبة، ليتساءل إماراتيون، عن سبب الزهد بالتميز في هذا المجال!
الضريبة المضافة وتداعياتها
منذ انخفاض أسعار النفط عام 2014، وبموجب توصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فقد قررت دول الخليج تطبيق هذه الضريبة مطلع يناير 2018. أي أن هناك حديث عن هذه الضريبة منذ نحو عامين على الأقل بصورة حثيثة، وتم وضع قانونها وإصدار لائحتها التنفيذية في فترة قياسية، رغم أن هناك قوانين في الدولة لا تزال معطلة لعدم وجود لائحة تنفيذية، وفق ما يقوله الكاتب عبدالله الشويخ في مقال له بصحيفة "الإمارات اليوم" عن قانون حقوق الطفل الذي صدر قبل أكثر من عام.
الضريبة التي تبلغ 5% على السلع والبضائع والخدمات ومعظم القطاعات في الدولة، ستدر على الخزينة مليارات الدراهم، ولكنها في المقابل سوف تشكل عبئا كبيرا على المواطن الإماراتي والمقيم، وسوف تفقد دولة الإمارات مزايا تنافسية اقتصادية كثيرة.
يقول خبراء الاقتصاد، إن الضرائب مهمة وضرورية لتعويض أي نقص في موارد الدول. ولكن في التجربة الإماراتية، فمنذ ميزانية 2015 وحتى ميزانية 2021، وبحسب ما تعلنه الحكومة، فإن الميزانية بدون أي عجز، ما يعني أنه لا حاجة لموارد الضريبة لتغطي النقص المفترض.
كما أن الميزانية ومنذ 2015 وحتى 2021 هي ذات القيمة، بنحو 50 مليار درهم سنويا، حتى بعد فرض الضريبة المضافة في يناير القادم، فلماذا لا تضاف أموال الضرائب التي سوف يتم تحصيلها على الميزانيات القادمة؟ يتساءل الإماراتيون.
بل، يتساءلون أيضا عن الفروق في أسعار الوقود التي ارتفعت قبل عامين، وقال وزير الطاقة سهيل المزروعي إن هذه الأموال سوف تذهب إلى التعليم والصحة وحماية البيئة، ومع ذلك، ظلت ميزانية الدولة بدون أي زيادة مالية، رغم الزيادة الطبيعية في نمو الدولة والشعب واحتياجاتهم.
هل يمكن تجاهل هذا الواقع؟
الفجوة بين الواقع أعلاه وبين المزيد من الغلاء ورفع الأسعار وتحصيل المخالفات والرسوم والضرائب، يفهمه الإماراتيون ويدركونه جيدا. لذلك، برزت في الأيام القليلة الأخيرة عددا من المؤشرات والمواقف التي تسترعي الانتباه، لعلها توحي بإمكانية إلغاء الضريبة المضافة، أو على الأقل تأجيلها لعدة سنوات قادمة أو خفضها من 5% إلى أقل من ذلك بكثير.
فبعد مواجهة الزفين ومئات الناشطين بشأن الإرهاق الاقتصادي نتيجة المخالفات، تم رصد قيام جميع قيادات الشرطة في الدولة بخفض المخالفات المرورية بنسبة تصل بين 50- 55%.
فقد أعلنت شرطة دبي في (4|11) عن خفض قيمة المخالفات المرورية في الإمارة وبدل حجز المركبات إلى 50% على المخالفات المتراكمة من عام 2016 حتى نهاية العام 2017.
كما أعلنت شرطة الشارقة عن "خفض قيمة المخالفات المرورية وبدل حجز المركبات في الإمارة إلى 50% على المخالفات المتراكمة من عام2016، والمهلة سارية حتى نهاية 2017
وفي أم القيوين، واعتباراً من يوم (19|11) الجاري أعلنت عن تخفيض المخالفات المرورية بنسبة 50% حتى نهاية 2017.
أما شرطة رأس الخيمة فقد قررت في (1|11) تخفيض قيمة المخالفات المرورية بكافة أنواعها إلى 55% ، وهي أعلى نسبة تخفيض للمخالفات على مستوى الإمارة ولأول مرة.
وأكدت شرطة عجمان والفجيرة في الأيام القليلة الماضية، تخفيض قيمة المخالفات المرورية بكافة أنواعها في الإمارة بنسبة 50%.
أما أبوظبي التي أعلنت في يوليو 2016 عن إلغاء قرار تخفيض نسبة 50% من تحصيل المخالفات المرورية والذي تم تطبيقه خلال السنوات الماضية، فقد تراجعت ومنحت نيابة المرور صلاحية خفض المخالفات المرورية.
مطالب بتأجيل الضريبة المضافة
لم يتوقف محاولة احتواء الغضب الشعبي على ما آلت إليه "ماكينة" جمع الأموال في الدولة، على حد وصف ناشطين، عند هذا الحد. بل طالب عبدالعزيز الغرير رئيس اتحاد مصارف الإمارات ، بتأجيل تطبيق ضريبة القيمة المضافة لفترة لا تقل عن 6 أشهر بداية من صدور اللائحة التنفيذية للقانون.
وبرر الغرير ، مطالبة التأجيل، بالقول: إن قطاعي المصارف والتأمين غير جاهزين بعد لبدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة، مبيناً أن هناك الكثير من التفاصيل المحاسبية التي تتطلب توضيحاً من الجهات المسؤولة عن ضريبة القيمة المضافة .
أما مدير عام غرفة تجارة وصناعة دبي، حمد بوعميم، فقد أكد أيضا عدم عدم استعداد عدد كبير من الشركات المتوسطة والصغيرة، محاسبيا وتقنيا، لتطبيق الضريبة. وأشار أن غرفة دبي خاطبت الحكومة، لإيضاح التحديات التي يمكن أن يواجهها تطبيق الضريبة بدون استعداد لها.
ومع ذلك، يقول مراقبون إن الأمر قد ينطوي على أكثر من مطالب التأجيل، وإنما قد يكون هناك رغبة لدى جهات في الدولة لإلغاء تطبيق الضريبة أو تأجيلها لأمد طويل.
ويستند هؤلاء في تقديرهم، إلى أن الدولة والمؤسسات كانت تعلم منذ سنوات عن هذه الضريبة، ومن الصعوبة تفهم أن الحكومة تصدر قانونا ولائحة تنفيذية والمؤسسات غير جاهزة، ما يعني بداية متعثرة.
المراقبون، يعتقدون أن هناك مراجعة حقيقية لمسألة تطبيق الضريبة من عدمها من الأساس، فيما يترقب الإماراتيون ما تسفر عنه المرحلة المقبلة، مؤكدين أن تراجع الحكومة عن هذا "الخطأ" أقل ثمنا بكثير من الاستمرار فيه، على حد قولهم.