استقبل الشعب الإماراتي شهر رمضان كل عام بما يليق بحضوره وخصوصيته الإيمانية والتعبدية والاجتماعية؛ فاستثمروه إيمانيا وتعبدا وروحية، واستظلوا بالطمأنينة المُتحَصَلةُ من الذكر والصلاة، وتلاوة القرآن، وقيام الليل. أما المجال الخيري، فهو المجال الأكثر ازدحامًا ومنافسة بين الإماراتين. كما أن رمضان موسم صلة الأرحام والتقارب بين الناس والتكافل، والمحبة والتسامح المجرد من الدعايات السياسية واحتلال عناوين الأخبار لنقل صورة مغايرة للواقع. فكيف استقبل الإماراتيون رسميا وشعبيا الشهر الفضيل في هذا العام، وكيف قامت المؤسسات الرسمية بتوظيف الشهر لخدمة أهدافها السياسية؟
محاضرات رمضان
لعل أبرز محاضرات الشهر الفضيل في السنوات السابقة وحتى هذا العام، هو برنامج محاضرات "ضيوف رئيس الدولة" الذي رعته هيئة أوقاف أبوظبي لعموم مساجد الدولة وإماراتها ومناطقها.
استضافت الدولة نحو 40 واعظا معظمهم من مصر والمغرب وقد تركزت المحاضرات على "مكافحة التطرف والإرهاب" من جهة وعلى "طاعة ولي الأمر" من جهة أخرى، إلى "عاصفة الحزم" رغم أن البيئة الإماراتية والمجتمع لا يعاني هذه الآفات التي تتطلب هذا التركيز والتكثيف.
مراقبون مطلعون على الشأن الإماراتي، قالوا: إن الهدف من التركيز على الإرهاب والتطرف هو تبرير حروب أبوظبي في هذا المجال سواء في اليمن أو سوريا والعراق أو مالي أو أي بقعة ليجد الإماراتيون أن الدولة تخوض "حربا عادلة" بل وربما "حربا مقدسة". بكلمة أخرى، هناك توظيف للدين لشرعنة التدخلات العسكرية للدولة في مختلف الساحات.
أما طاعة ولي الأمر، فقد تزامن استخدام الوعاظ بعض الأحاديث النبوية للتدليل على ما وصفته الصحافة الرسمية:" في غاية الأهمية الوطنية والاجتماعية وهو علاقة المجتمع بأولي الأمر منهم"، في الوقت الذي شكك فيه الكاتب الإماراتي، سالم سالمين النعيمي في (14|6) بمقال بعنوان "خطورة الرهبانية في الإسلام"، بطاعة الرسول، قائلا:" فهل طاعة الرسول الواردة في أكثر من موضع في القرآن تعني اتباع ما في كتب السُنة اليوم؟ وأين هو الأمر أو النص المباشر الصريح الذي لا لبس فيه في القرآن، أو أمر به الرسول لتدوين وكتابة ما يسمى السنة النبوية؟".
كما حاضر الوعاظ حول "النجدة في الإسلام"، واستعرضوا بعضاً من نماذجها.
و رغم أن "عاصفة الحزم" من النجدات التي تحسب لدولة الإمارات القيام بها لنجدة اليمن، إلا أن ساحات عديدة يمكن أن تكون بحاجة لهذه النجدة أيضا، وكان متوقعا من الوعاظ التنبيه لها وحث دولة الإمارات على استكمال نجدتها لأهل فلسطين وسوريا والعراق، كون الوعاظ اعتبروا أن ما تفعله أبوظبي في اليمن "من أفضل القربات في هذا الشهر الفضيل".
مسلسل أمني يثير التمييز والكراهية
وعملا بما يخالف سنن الشهر الفضيل وطباع وسلوك الإماراتيين، قام تلفزيون أبوظبي بعرض مسلسل "خيانة وطن" ضد شريحة واسعة وعريضة من الإماراتيين، ما أدى إلى تقويض الوحدة الوطنية وإضعاف الشعور الوطني وبث الكراهية بين شرائح المجتمع وتعزيز نعرات التمييز والتحريض على المثقفين والأكاديميين الذين لا يمتلكون فرصة واحدة لدحض مضامين هذا المسلسل.
دعوة الإصلاح التي كانت مستهدفة بالمسلسل أصدرت بيانا، نفت فيه جملة وتفصيلا ما ورد فيه، قائلة:" ما ترك (المسلسل) منقصة أو فرية إلا ألصقها بدعاة الإصلاح، حتى تطاول على أعراضهم وأخلاقهم". وأكد البيان الذي حمل رقم (36) "بث هذا المسلسل يعتبر من الأعمال التحريضية التي يجرمها القانون الإماراتي والمواثيق والمعاهدات الدولية". وبينما كان الإماراتيون يتوقعون التراحم والتكافل والتسامح والمحبة فإذا بجهاز الأمن يبث في أوساطهم ما يثير الضغينة ويفرق الشمل ويمزق العائلة والقبيلة الإماراتية، وكل ذلك على أساس باطل وبدون أي وجه حق وبدون مراعاة لأصول رمضان وآدابه.
تناول الكحول في نهار رمضان
يُعظم الإماراتيون حرمات الله في كل الأوقات والأماكن ولا سيما في شهر رمضان. وخلافا لذلك، فقد أصدرت إمارة دبي قرارا "بتخفيف القيود على شراء الخمور ومشروبات الكحول في النهار خلال شهر رمضان بحسب ما قالته صحيفة "واشنطن بوست" بهدف زيادة إيرادات الدخل والسياحة.
لذلك، وإزاء هذا البرنامج الرمضاني لمؤسسات الدولة يشعر الإماراتيون بغربة رمضان التي افتقدوا حنوها وفضائلها وروحانيتها منذ نحو عقد من الزمن، ومنذ نحو 4 سنوات على الأخص، يوم أن قررت جهات أمنية وتنفيذية اختطاف الحياة المدنية وتحويل المجتمع والدولة للعسكرة والسيطرة الأمنية في كل شؤون الحياة بلا ورع أو حياء من الشعب الإماراتي في استغلال مشاعره وشعائره على النحو السابق عرضه.