كثيراً ما نسمع أن كفالة الأهل والأصدقاء والزملاء والجيران، أولها شهامة، ونهايتها ندامة، وبات الرأي السائد عند كثيرين، أن أعز الناس ستفقده، بمجرد أن تكفله في شراء سيارة أو قرض بنكي، وأن بعض المقترضين يتنكر لمن كفله، ووقف معه عند حاجته للقرض، كما يتنكر له، ويجعله مطالباً بتسديد أقساط القرض نيابة عنه، عندما يتأخر في سداد الأقساط، لعلمه أن القانون سيطالب الكفيل، فالبنك يهمه تحصيل مستحقاته المالية.
والقصص والحكايات في هذا الموضوع كثيرة، ومتنوعة، ومحزنة، فهذا يسدد عن صاحبه نحو ثلث راتبه الشهري، وآخر ما عاد قادراً على دفع الأقساط الشهرية، عن صديقه، الذي كفله قبل نحو سنتين، وها هو اليوم بلا عمل، ويجب عليه أن يسدد عن صديقه بشكل شهري، في حين أن صديقه غادر البلاد، منذ أكثر من عام، وثالث لم يترك صديقاً إلا واستلف منه كي يسدد عن صديقه، الذي خذله، وتنكر له،...
وقال له: اضرب رأسك بالحيط، لن أدفع فلساً واحداً، أنت كفلتني، وعليك أن تكون على قدر المسؤولية. ورابع يقول، إن صديقاً حميماً أحرجنه بموضوع الكفالة، التي ألحقت به متاعب، كان في غنى عنها، لكنه الإحراج والإلحاح.. وقصص أخرى، كلها تقول: لا تكفل أي صديق، أو قريب، أو زميل، لأنه سيتمتع بالمال، وأنت تُستنزف بالسداد عنه، ولا تستسهل موضوع الكفالة، فما إن يقع المحظور حتى تصاب بردة فعل عنيفة، تفقدك الثقة بالجميع.
ومن هنا تحولت الكفالة عند كثيرين إلى هاجس مقلق ومربك، فما إن يقول أحدهم، أريد من صديقي، أو جاري، أو قريبي أن يكفلني، حتى يأتيه الجواب سريعاً بالنفي، وعندما يلح؛ لماذا هذا الرفض، يجد الجواب الثاني سريعاً أيضاً، ولسان الحال يقول: يكفيني ما ذقته من ويلات ورعب، من جراء ما قمت به مع جاري القديم، ويكفيني ما سمعته من قصص وحكايات من أصدقاء، وزملاء في العمل، فتراكم تلك القصص ونتائجها المؤذية والمحزنة، جعلني أقسم أغلظ الأيمان بألا أكرر الكفالة لأحد.
يا للهول، هل يمكن أن تؤدي الكفالة إلى الجفاء والقطيعة بين الناس؟ فالكفالة التي تعتبر عقداً، يتعهد بمقتضاه شخص بتنفيذ الالتزام، تستوجب وعي ماهيتها، وشروطها، وأنواعها وتبعاتها، بدلاً من ردات الفعل، وتتطلب العمل على خلق حالة من الوعي لمختلف هذه التفاصيل أو الملامح الرئيسة فيها، كي يكون المرء على بينة عند التوقيع.
وهي عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ التزام، يتعهد بموجبه للدائن بالوفاء بالالتزام، إن لم يف به المدين نفسه، ما يعني أن طرفي الكفالة هما الكفيل والدائن، أما المدين فليس طرفاً فيها، مع أن الكفالة لا تتصور بغير وجود الالتزام، الذي يقع على عاتق المدين، كما أنها تعتبر عقد ضمان شخصي، يهدف إلى تأمين دائن على حقه، من قبل شخص آخر غير الكفيل، حيث يتعهد الكفيل بالوفاء بدين على الغير، وهذا التعهد يزيد ثقة الدائن بحصوله على حقه، فيتحقق به الضمان.
والتزام الكفيل بضمان حق الدائن التزام يترتب في ذمته، وبالتالي يصبح مسؤولاً عن الوفاء به، فالكفالة إذاً تعني ببساطة ضم ذمة الكفيل إلى ذمة المدين المكفول، وهي في كل تعريفاتها، وأشكالها، وماهياتها، وشروطها، لا يمكن أن يتم التغاضي عن حقيقة جوهرها ووقعها بين الناس، والمتعلق بأنها حالة بين الشهامة والندامة، من حيث النتائج، الأمر، الذي يستوجب فعلياً فهمها، وفهم جوهرها، وطبيعتها قبل البدء في تطبيقها، والموافقة عليها.
كل ما في الأمر أن الكفالة تتطلب أن يكون الكفيل واعياً ومدركا ًلمختلف تفاصيلها، ومطلعاً على عواقبها ونتائجها، وبالتالي يجب ألا يقوم المرء بالتوقيع على الكفالة، ما لم يكن مدركاً، وملماً، ومطلعاً على تلك التفاصيل والحيثيات، التي تضمن له عدم الوقوع في تبعيات مؤذية ومربكة، ومثل ذلك يستوجب وعياً، ومعرفة قانونية، واجتماعية أيضاً بالكفالة، وخلق حالة من التوازن بين الشهامة والمساعدة، والوعي والمعرفة، بما يضمن البقاء في دائرة الشهامة، والابتعاد عن الوقوع في مستنقع الندامة.