فاطمة الصايغ
تعد دولة الإمارات من أولى الدول العربية المهتمة بالإحصائيات والبيانات، لما لها من أهمية في التخطيط الجيد لعملية التنمية المستدامة.
فالتحليل الديمغرافي عادة ما يفتح حواراً موضوعياً يساعدنا في فهم واقعنا الديمغرافي بشكل أفضل، كما يساعدنا في الوصول الى نتائج أكثر دقة من حيث ربطها بالمتغيرات التي تحدث في مجتمعنا.
فتلك المتغيرات هي في واقع الأمر انعكاس ليس فقط لطبيعة المجتمع الديمغرافية، ولكنها نتاج طبيعي وأمين للمتغيرات الإجمالية التي حدثت منذ قيام الاتحاد وحتى الآن.
فعلاوة على الخلل السكاني لصالح الوافدين فإن أي دراسة سكانية لدولة الإمارات تخلص بنتائج محددة أهمها أن مجتمع الإمارات مجتمع ذكوري، وذلك لطبيعة التوزيع النوعي للمجتمع، كما تخلص النتائج بأن مجتمعنا شاب بحكم أن المهاجرين والقادرين على العمل وهم في سن 15 65، يشكلون ما لا يقل عن 56% من عدد السكان.
لهذا تعد محاولة رصد الظواهر الديمغرافية وتحليلها مهمة لأنها توصلنا في النهاية لمعرفة الخصائص العامة، ومن ثمة التخطيط الجيد للمستقبل وخاصة التخطيط الحضري. مر النمو السكاني في الإمارات بمراحل وتطورات سريعة وملحوظة.
فبينما كان عدد السكان قبل أقل من نصف قرن يقل عن المليون نسمة، تضاعف أعداد المهاجرين الى الدولة حوالي 10 مرات تقريبا ليصل الى ما يقارب 10 ملايين نسمة، الأمر الذي يجعل من دولة الإمارات واحدة من أكبر مستقبلي العمالة المهاجرة في العالم، بكل ما تحمله هذه العمالة من آثار. فكون الهجرة تتعلق بالعنصر البشري فالمنافع والأضرار متوقعة.
النتائج الإيجابية معروفة وأيضا الآثار السلبية التي تسببها الهجرة. فعلاوة على الضغط المتزايد على الخدمات، هناك آثار ثقافية واجتماعية مقلقة.
فمثلاً، أحد الآثار السلبية للهجرة الوافدة هي تنوع الجنسيات، الأمر الذي يؤدي الى ذوبان الهويات الصغيرة في خضم الهويات المتنوعة، كذلك أدى تنوع الجنسيات الى تنوع اللغات والثقافات والأديان التي تمارس طقوسها على أرض الدولة. فتحولت الجاليات الى أقليات منفصلة عن أهل البلاد الأصليين يمارسون عاداتهم وتقاليدهم وطعامهم، الأمر الذي يحولها الى مجتمع جاليات.
ويلاحظ أن شريحة كبيرة من القادمين من الخارج، خصوصا الجاليات الآسيوية، يقيمون في مناطق ومساكن تفتقر للخدمات التي تتمتع بها النخبة القادمة من أوروبا مثلاً، والتي أصبحت هي الأخرى مقيمة في كانتونات أو أحياء سكنية خاصة بها. ولكن هذه الأحياء تختلف كثيراً عن تلك الأحياء السكنية التي تقيم بها الغالبية الآسيوية.
فأحياء الأوروبيين هي الأحياء الراقية وذات القيمة الإيجارية العالية والتصاميم المعمارية الأنيقة، بينما تفتقد أحياء الآسيويين، والتي هي عبارة عن البيوت الشعبية التي غادرها سكانها المواطنون بعد الطفرة، الخدمات والمرافق الحديثة.
ههذه الخصائص نجدها اليوم متجلية بوضوح في أغلب مدن الدولة. الخصائص السكانية تتجسد اليوم في تلك المتغيرات الحاصلة والمرتبطة بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية.
فحجم السكان ونموهم من القضايا التي رافقت مجتمع الإمارات منذ أن كان تقليديا يعيش على الكفاف حتى وصل اليوم الى مجتمع متطور متنوع وثاني اكبر اقتصاد في الشرق الأوسط. زيادة المواليد وقلة الوفيات وانخفاض خصوبة المرأة كلها قضايا ذات أبعاد ديمغرافية هائلة.
في الوقت نفسه يعد الضغط المتزايد على الخدمات وتحمل الدولة نفقات باهظة في شكل خدمات مجانية واستنزاف مدخرات البلد في شكل تحويلات للعمالة الى بلدانها الأصلية مما يشكل استنزافاً للاقتصاد، أمراً يؤثر كثيراً على مستقبل التنمية في بلادنا.
في ظل عجز السكان المواطنين عن تلبية الاحتياجات المتزايدة لسوق العمل تظل قضية العمالة الوافدة أمراً ضرورياً. وعلى الرغم من كل جهود الدولة في زيادة أعداد المواطنين إلا أن تغير ميزان الخلل ليس بالأمر السهل أو المتوقع حله سريعاً.
لذا على الدولة أن تعمل على تشجيع المواطنين على الزيادة الطبيعية وإعادة النظر في السياسات التعليمية ووضع ضوابط لاستقدام العمالة الوافدة من ناحية التركيز على أصحاب المستويات العلمية العالية التي تناسب سوق العمل. وأخيراً تشجيع المرأة على الانخراط أكثر فأكثر في ميادين العمل المتنوعة لممارسة الوظائف التي تناسبها بدون الإخلال بوظيفتها الإنجابية.