حسين شبكشي
بطبعي لديّ نهم لا ينتهي وشغف لا ينقطع بالقراءة، ومتابعة جميع الإصدارات الجديدة والأخيرة، سواء أكان في مجال السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو السير الذاتية أو حتى الروايات. ولفت نظري في الآونة الأخيرة الزخم الكبير والهائل بشكل استثنائي عن المنظمات السرية والحركات الماسونية وتنظيم «الألوماناتي».
طبعا تستند كل هذه الكتب التي صدرت بأعداد «مهولة» و«غير مسبوقة» إلى شهادات لأعضاء سابقين ومطلعين وباحثين في شأن هذه المنظمات، التي كان يدور حولها لغط غير عادي، نظرا لما أحاطت نفسها به من سياج الغموض والسرية والريبة، فبات الناتج بطبيعة الحال نظريات لا تنتهي تحاول أن تفسر هوية هذه المنظمات، وسبب الحفاظ على سريتها، بهذا الشكل الأسطوري، ونفوذها، وانتشارها، ومكانة أعضائها، وتواصلها بشكل «أخوي»، وذلك بحسب التعريف الرسمي للعضوية.
ومؤخرا، تصدى لهذه المهمة في رواياته الذائعة الصيت والمحققة لنجاحات في المبيعات تخطت المعقول، الكاتب الأميركي دان براون، وخصوصا في روايته الأخيرة «الرمز المفقود»، التي يحاول فيها فك رموز وطلاسم الماسونية، وعلاقتها بالعاصمة الأميركية واشنطن دي سي. فيأخذ القارئ إلى رحلة ممتعة وبالغة التشويق والتعقيد في عوالم الأديان والملل والأساطير والسحر والشعوذة والفلك والتاريخ بشكل مليء بالتفاصيل والشروح اللافتة، يقتحم بالقارئ عوالم كانت سوداوية ومجهولة، ويربطها بشخصيات وبأحداث وبمواقع وبمدن، ليفسر بطريقته أمورا وأحداثا، كانت غامضة ومجهولة.
الأمر العجيب أن هذه المنظمات «السرية» التي حافظت عبر عقود طويلة جدا من الزمن على سريتها، وعلى خصوصيتها، من التجاوز عن الاختراق، مع حالة الفوضى العارمة في عوالم الإنترنت الافتراضية والمعلومات الحرة المتاحة للكل، عبر وسائل التواصل الذكية، كانت هي الأكثر عرضة للاختراق، فهناك كمّ هائل من المواقع والصفحات المخصصة على شبكة الإنترنت للبحث في هذه الجماعات، والربط الدقيق بينها وبين أحداث وشخصيات مهمة، بالإضافة طبعا لعدد غير بسيط من الإصدارات في مجال الكتب والروايات.. كل ذلك أسقط وبقوة جدار الخوف والسرية عنها، ولكنه وبلا شك رفع درجات الفضول لمعرفة المزيد والأكثر، خصوصا مع حصول كمّ من الأحداث السياسية والاقتصادية والإخباارية الغامضة التيي تبقى بلا تفسير منطقي ولا عقلاني، تُجيَّر فورا لصالح نظرية المؤامرة، التي دائما ما تكون الجماعات السرية هي الكائن أو الجهة الأنسب لتلقي اللوم وتوجيه أصابع الاتهام إليها، بسبب الغموض الهائل الذي يدور حولها، وكونها دوما ما يقال عنها إنها باختصار وراء حكومة عالم سرية تدير شؤون العالم، وتقرر الثورات والحروب والأمراض الغامضة والنكسات المالية الكبرى، وتمكّن شخصيات بعينها من الوصول إلى سدة الحكم عسكريا، أو دينيا، أو غير ذلك، أو تتبوأ كبرى المؤسسات الاقتصادية والمالية العلمية والإعلامية. والكتب الكثيرة التي تداولت هذه المسألة المعقدة كانت دوما ما تحاول أن تربط الأمر، إما بجانب ديني أو علمي أو اقتصادي؛ فتارة تقول إنهم يتبعون دينا أو مذهبا بعينه، وتارة تقول إنهم من عبدة الشيطان، أو إنهم ملحدون، ومن سلالة حراس هيكل سليمان.
الذي أعرفه ومتأكد منه أنهم تحولوا لوسيلة «مؤكدة» لتحقيق الانتشار، وأن يكون الكتاب ناجحا ومن أكثر الكتب مبيعا وانتشارا، طالما تضمن في محتواه وجبة دسمة من الجمعيات السرية. إنها الوصفة المضمونة لنجاح سريع، ولكن يبقى الفضول قائما لمعرفة المزيد عنها، فالمعلوم عنها أقل من الحقيقة ومن التاريخ بكثير.