علي العمودي
حادثة مأساوية بمعنى الكلمة، ذلك التصادم المروع الذي وقع في دبي السبت الفائت وذهب ضحيته 15 عاملاً، ومن قرأ روايات الناجين يدرك الرعب الذي عاشوه لدى ارتطام حافلتهم بالشاحنة التي كانت متوقفة على جانب الطريق في تلك الساعة المبكرة، وهم في طريقهم إلى عملهم بمنطقة جبل علي، لتبدد في غمضة عين أحلام هؤلاء البسطاء بيوم عمل منتج، ودخل ثابت نهاية كل شهر يطعم الأفواه المنتظرة هناك بلهفة على بعد آلاف الأميال.
بعد الحادث، ارتفعت الأصوات كل يشير بأصابع الاتهام نحو الآخر حول أسباب الحادث الذي يعد الثاني من نوعه في دبي من حيث عدد الوفيات، بعد حادث تدهور حافلة تابعة لإحدى الشركات الخاصة في عام 2006 على شارع الشيخ زايد، ونتجت عنه وفاة 10 أشخاص وإصابة آخرين. وبعده أيضاً ارتفعت الأصوات، وطالبت كما تطالب اليوم، وهدأت بعد ذلك، كما ستهدأ هذه الأصوات والمطالبات ما لم يتم وضع حلول ومعالجات تمنع وقوع مثل هذه الحوادث المؤلمة، وإن تباعدت. فما يفصل حادث شارع الإمارات قرب جسر الروية، وحادث شارع الشيخ زايد ثماني سنوات، كان بالإمكان وضع بعض المقاربات للمعالجة، وبالأخص متابعة الظروف التي يعمل تحت وطأتها هؤلاء العمال، وبالأخص السائقين. وهو ما دعت إليه كذلك جمعية الإمارات لحقوق الإنسان التي حرصت على زيارة المصابين الذين يخضعون للعلاج في مستشفى راشد.
هذه الحادثة تطرح بشدة ضرورة ألا نسمح لجشع بعض أصحاب الشركات الخاصة النيل من الصورة الزاهية للإمارات في مجال توفير الرعاية وصون حقوق العمال، وقد قطعت وزارة العمل شوطاً كبيراً في هذا المجال، وبالذات من خلال نظام تحويل الأجور. فقد برزت من الحادثة أهمية أن يكون مكان عمل هؤلاء في الإمارة ذاتها التي يقطنون فيها، لا ترك الأمور بيد الملاك الذين يبحثون عن المكان الأرخص لإقاماتهم، ولو كانت على بعد عشرات الكيلومترات. فقد كان على عمال حافلة الموت تلك الخروج في الخامسة فجراً من أم القيوين للالتحاق بأعمالهم في منطقة جبل علي بدبي السابعة صبحاً.
يوم أمس ومن خلال «البث المباشر» بإذاعة نور دبي طرح اللواء خميس مطر المزينة، القائد العام لشرطة دبي، مشروعاً نأمل أن يعمم على مستوى الدولة، وهو لا يختلف عن الأنظمة المعمول بها في الولايات المتحدة وأوروبا لتنظيم سير الشاحنات على الطرق، ويعتمد على وضع جهاز في الشاحنات والحافلات يرصد حركتها ويقوم بتسجيل البيانات إلكترونياً، ومن خلاله يرصد النظام الفترة التي قضاها السائق على الطريق، ومتى بدأ رحلته بما لا يزيد على 8 ساعات يومياً، ويكون النظام متصلاً بغرفة عمليات المرور، وذلك للحد من ظاهرة القيادة تحت الإرهاق التي باتت تسجل رسمياً كأحد مسببات الحوادث الخطيرة والجسيمة، كحادثة يوم السبت التي رجح الخبراء أن النعاس داهم سائق الحافلة وأدى للحادثة المأساوية، إلى جانب طبعاً سرعته أثناء القيادة.
ومع خالص مواساتنا لأسر الضحايا، نأمل تحركاً ملموساً للجهات المختصة لترى تلك الدعوات النور سواء ما يتعلق بتحسين ظروف العمال أو النظام الإلكتروني الذي تحدث عنه اللواء المزينة، وسلامتكم.