منذ أن تم الإعلان عن انتخابات المجلس الوطني الجزئية والانتقائية الثالثة حتى أخذت تُظهر وزارة شؤون المجلس الوطني- والتي يعبر وجودها عن خلل في الفصل بين السلطات وفق الأنظمة السياسية الحديثة التي تقوم على الفصل بين السلطات ومن بينها النظام السياسي الإماراتي- سيطرتها على مخرجات هذا المجلس رغم القيود الممارسة بالفعل على انتخاب مجلس من المفترض أن يكون مجلسا حرا مستقلا في التشريع والرقابة. فبدءا من منع نحو 60% من الإماراتيين من المشاركة في الانتخابات، حتى إقرار "مبدأ الصوت الواحد" وغيرها من الإجراءات التي تضمن خروج مجلس وفق مواصفات ومقاييس معينة.
الرأي العام الإماراتي الذي يتابع هذه الاستعدادات على قدم وساق سواء أكان ممن سُمح من المشاركة في الانتخابات أو حُرم منها، ويحدد سلوكه ومشاركته وفقا لمخزونه المعرفي السياسي والثقافي والذي يعبر عن وعي سياسي كبير، وفق تأكيدات مسؤولين إماراتيين ومن بينهم الوزير أنور قرقاش وزير شؤون المجلس الوطني كما سيظهر بعد قليل.
لقد كان أولى ردود الفعل الإماراتية على جميع الإجراءات التي اتخذتها الوازرة هو عزوف ملحوظ أو قلة ملحوظة في أعداد المرشحين المتقدمين للمنافسة على 20 مقعد من اصل 40 هو عدد أعضاء المجلس، ما شكل مفاجأة للمسؤولين خاصة أن الوزير قرقاش قاد بنفسه "حملة التحفيز" على المشاركة في هذه الانتخابات في جملة من المحاضرات والندوات والتصريحات والتغريدات التي تسعى لإقناع الجمهور بالمشاركة في الانتخابات كإحدى توصيات ضعف الإقبال الشعبي على انتخابات 2011 والتي لم تكن بهذه القيود الحالية على انتخابات 2015.
المسؤولون اعترفوا بانخفاض عدد المتقدمين للمنافسة والذين لم يتم تأكيد استيفاءهم الشروط القانونية بعد، وهو ما يضع احتمال في انخفاض للأعداد المنخفضة أصلا. الوزير قرقاش أكد في تصريحات له أن عدد المتقدمين قليل بقوله إن المجلس الوطني بحاجة إلى النوعية في المرشحين في حين الانتخاب أو الاقتراع لاختيار المرشحين هو ما يتطلب مشاركة الجمهور، على أمل أن تكون المشاركة كثيفة في الانتخابات.
الرأي العام الإماراتي قابل تصريحات قرقاش باستياء واسع، كونه صنف من تقدم للترشح بأنه "نوعي" في حين أن من لم يتقدم بأنه "كمي"، والانطباعات السائدة لدى الشعب الإماراتي أن النوعي يفوق الكمي أهمية وقيمة، وهو تصريح اعتبره الإماراتيون ينطوي على إهانة مباشرة قد تكون سببا في زيادة عزوفهم عن يوم الانتخابات، ما دامت نظرة المسؤولين لهم بأنهم "ليسوا نوعيين".
دور الإعلام الإماراتي في "عكس الصورة"
رغم أن الوزير قرقاش حاول التخفيف من وقع قلة عدد المرشحين بمقولة "النوع والكم" إلا أن الإعلام الإماراتي ساهم أيضا في تقديم هذا العزوف على أنه صورة إيجابية وهذا غير صحيح، كون ارتفاع المنافسة وحدتها يؤشر على وضع صحي من شأنه أن يقدم الأفضل. فالمنافسة إحدى المفردات المهمة في الإدارة والسياسية الإماراتية ولا يتوقف حكام الإمارات عن الحث على زيادة المنافسة بما فيه خير للمجتمع.
بعض الكتاب الإماراتيين، اعتبر أن قلة عدد المرشحين من مصلحة المجلس الوطني والانتخابات عموما في تبرير واضح.
ولكن ما ذهبت إليه صحيفة "الإمارات اليوم" الصادرة في دبي فقد اعتبرت في تقرير لها أن انخفاض أعداد المرشحين هو نتيجة ثلاثة أسباب "إيجابية"، نقلا عن مرشحين حاليين.
هؤلاء المرشحون زعموا، أن "نجاح جهود الدولة على مدى السنوات العشر الماضية في تعزيز وتنمية الوعي السياسي لدى المواطنين، انعكس على نوعية وفئوية وجدية المتقدمين للترشح". وهذا السبب تكرار لما اعتبره الإماراتيون انتقاص من قدرهم وبما يتفق مع توصيف أنور قرقاش، الذي أكد أن انخفاض أعداد المرشحين يقابله وعي الإماراتيين الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات لاختيار الأفضل منهم، في توصيف متناقض، وفق ما يراه ناشطون إماراتيون.
أما السبب الثاني لهذا الانخفاض، وفق مرشحين، "هو اعتماد نظام تصويت الناخب لصالح مرشح واحد فقط". وهذا النظام حاز على انتقادات واسعة من جانب الإماراتيين كون استخدامه ارتبط بتجارب انتخابية عربية كانت تستهدف تحجيم فوز المعارضة في الأردن والكويت مثلا، ولكن هذه الحالة لا تنطبق على الانتخابات الإماراتية كونها من أولها لآخرها هي تحت إشراف الدولة ولا يدخل الهيئة الانتخابية إلا من يرتضيه جهاز الأمن، وفق اتهامات الناشطين الإماراتيين. أي أن الخوف من فوز أي شخصية غير مرغوبة غير متحققة في الإمارات، لأن القائمة حددت مقدما من يحق له الترشح في عملية "تعيين" قبل أن يعرض على الانتخابات.
ورأى المرشحون الذين تحدثت إليهم "الإمارات اليوم" أن السبب الثالث، هو "التخلي إلى حد كبير عن الاعتماد على الأبعاد القبلية والعائلية والتربيطات الانتخابية، في عمليات الترشح" على حد وصفها.
وضمت القائمة الأولية لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي 349 مرشحاً، بينهم 78 امرأة، على مستوى إمارات الدولة، من بين 224 ألفاً و279 هم أعضاء الهيئات الانتخابية، مقابل 469 مرشحاً من بين 129 ألفاً و274 عضواً في الهيئات الانتخابية عام 2011.
ووصف المرشحون أن المتقدمين للترشح هم من "الجادين الطامحين لخدمة وطنهم" وهو ما اعتبره الإماراتيون استمرار لتبرير هذا الانخفاض غير المبرر ولكن الإعلام والمسؤولين يصرون على تقديمه على أنه مؤشر إيجابي.
وواصل آخرون، التأكيد على أن "زيادة أعداد الناخبين تعد المقياس الرئيس لتطور المشاركة السياسية بشكل كبير". فيما أكد آخر ممن تحدثت إليهم "الإمارات اليوم"، لكن يبقى النجاح الأساسي للعملية الانتخابية ليس في عدد المرشحين، بل في ارتفاع نسبة المشاركة في التصويت".
ويخشى الإماراتيون أن يتغير هذا المقياس في حال قلة مشاركة الناخبين أيضا، متساءلين، ماذا سيكون رد فعل المسؤولين والإعلام الإماراتي على ذلك، وما هي المبررات التي سوف تساق للرأي العام الإماراتي في "انتخابات"، يصر إماراتيون على وصفها "بعملية تعيين موسعة".