سامي الريامي
استطاعت وزارة الاقتصاد، ودائرة التنمية الاقتصادية في دبي، ضبط الأسواق بطريقة مميزة، لا ندعي أنهما فعلتا كل شيء، لكنهما استطاعتا وبشكل واضح الوقوف إلى جانب المستهلك في قضايا كثيرة، واستطاعتا ترسيخ ثقافة حماية المستهلك، دون الإضرار بالشركات والاقتصاد، كما أنهما استطاعتا فرض هيبتهما على السوق، فلم يعد التجار أحراراً في التصرف كيف يشاؤون في الأسعار، والقوانين، والضغط على المستهلكين، وتالياً وجد المستهلك أبواباً مفتوحة عدة، وواضحة لإيصال صوته، إن شعر بالظلم، أو أراد رفع شكوى على أي محل تجاري أو شركة، صغيرة كانت أو كبيرة، وعلى الفور تتحرك الفرق، ولا تهمل الشكوى، وفي معظم الأحيان، إن لم يكن جميعها، يعود الحق إلى أصحابه.
تجربة مميزة ليتها تصل إلى القطاع العقاري، فهو مملوء بالشكاوى، والظلم أحياناً، وفيه كثير من التجاوزات، وعلى الرغم من وجود العديد من الجهات المعنية بتنظيم هذا القطاع، إلا أنها غالباً لا تستطيع التدخل لحل هذه المشكلات، أما أسباب ذلك فهي كثيرة!
بداية لابد أن نقرّ ونعترف بأن هناك قانوناً ساري المفعول، ينظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وأهم ما ينبغي أن نعرفه في هذا القانون، الذي صدر عام 2007، بندان مهمان، أولهما حفظ للمستأجر حقه في عدم إخلاء الوحدة العقارية المستأجرة، إلا وفق حالات محددة، ولابد من إبراز أسباب مقنعة لطلب الإخلاء، إضافة إلى مهلة تصل إلى عام كامل، وإنذار آخر قبل الإخلاء بثلاثة أشهر، والبند الآخر المهم جداً، أن المؤجر ليس من حقه رفع الإيجار بشكل عشوائي، فهناك شروط وقواعد منظمة لرفع الإيجارات، وفقاً لنسبة زيادة واضحة، حسب شروط دائرة الأراضي، إضافة إلى ذلك فهناك مركز مستقلّ لفضّ المنازعات الإيجارية تقع عليه مسؤولية ضخمة، وهو مهم وحيوي لإعادة الحقوق لأصحابها.
لكن، للأسف الشديد، فعلى الرغم من وجود القانون المنظم للعلاقة بين المؤجر والمستأجر، ووجود مركز فضّ المنازعات، إلا أن السوق العقارية تشهد غياب التنظيم، وسيطرة تامة لشركات الوساطة العقارية، وتلاعباً مستمراً بقانون الإيجار، وارتفاعات مجنونة غير مبررة لأسعار الشقق والوحدات السكنية المؤجرة، وذلك في ظنّي يعود إلى سببين، غياب الوعي بالقانون عند المستأجرين، وضعف فاعلية الجهات المنظمة في فرض القانون وإقراره على الجميع ميدانياً، والاكتفاء به كبنود مكتوبة فقط!
غياب الوعي لدى المستأجرين بالقوانين العقارية المعمول بها، وغياب جهود التوعية من قبل الجهات المسؤولة عن تطبيق القوانين، هما السبب المباشر في الزيادة غير المنطقية واللامعقولة في أسعار الإيجارات، فالمؤجر عادة ما يخنع ويخضع لتهديدات الملاك وشركات الوساطة، ويضطر إما إلى التوقيع على عقود الزيادة، أو الإخلاء، في حين أن ذلك مخالف للقانون، والجهات المعنية أيضاً لم تفعل أي جهد يذكر للتوعية بالقوانين الموجودة، ومحاولة نشرها بشكل يجعلها أمام مرأى الجميع، ليلزم كل طرف حدوده.
«اعرف حقوقك»، على سبيل المثال، بطاقة موجودة وبحجم كبير، وفي مكان واضح في جميع المحال التجارية في دبي، وفي كل مركز تجاري، بل في كل محل تجاري داخل المركز، وفيها رقم للشكوى، وتستطيع الاتصال وأنت واقف أمام صاحب المحل لتشتكي عليه، وسيأتيك الجواب والمفتش سريعاً، فلمَ لا يكون قانون الإيجار أو على أقل تقدير أهم بنوده، مع ذكر أهم المخالفات، على لوحة موجودة وبشكل ملزم وواضح عند مدخل كل بناية سكنية، وفيها أرقام الشكوى أيضاً، فقد تساعد المستأجرين على معرفة حقوقهم، وتخفف قليلاً من لغة التهديد والقوة التي كثر استخدامها من الملاك ومكاتب التأجير العقاري؟!
هي جزء من حملة ضخمة للتوعية، يجب أن تفكر فيها الجهات المعنية، وتبدأها فوراً، لوضع حدّ لما يحدث، فوضع القانون لن يكون مجدياً إن لم تسعَ الجهات المعنية لتفعيله، وضمان تطبيقه، ومعاقبة من يتجاوزه، إضافة إلى أهمية نشر التوعية العامة ببنوده وفوائده!