علي العمودي
يجيء إغلاق إحدى الكليات الخاصة في دبي بعد تجاوزات رصدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جاءت لتؤكد تصميم الوزارة والجهات المختصة على تنقية هذا المجال والميدان من الذين يخالفون القواعد الأكاديمية والتنظيمية المقررة بهدف تحقيق أعلى عائدات مادية ممكنة على حساب الأمانة العلمية في ميدان من أهم الميادين المتخصصة بتأهيل وإعداد رجال وقادة المجتمع في كل مكان.
وكانت تلك الكلية قد فتحت باب التسجيل لتدريس مساقات أجنبية وبدون تصريح أو اعتماد، فقط لاستقطاب أكبر عدد من أبناء إحدى الجاليات الآسيوية التي تمثل كماً كبيراً في هذا السوق، باعتبارها الأكثر وجوداً. وتشكل شريحة كبيرة من شرائح سوق تعد الأوسع والأكثر نمواً على مستوى المنطقة.
تصميم وحزم نتمنى أن يمتد لمؤسسات أخرى عاملة في ذات الميدان، ولكن من جانب آخر، وهي قصة إعداد الطلاب لاجتياز امتحانات «آيلتس» و«توفل» والدورات الخاصة بهذين الاختبارين اللذين تحولا عقبة كأداء، وعقدة العقد للمئات من الطلاب والطالبات، فقط لأن أحدهم أقنع الوزارة بهذا الشرط بعد فرض الإنجليزية لتكون لغة التدريس والتعليم في مؤسسات التعليم العالي الوطنية منها والخاصة.
ومن هذا الواقع ظهرت كالفطر معاهد و«دكاكين» دورات الاختبارين ومن خلفها معاهد أخرى ما أنزل الله بها من سلطان لتدريس اللغة الإنجليزية. ورأينا كيف تحولت المسألة إلى تجارة بمعنى الكلمة، فقط للنظر لما تكسبه أحد المعاهد الأجنبية في يومين من الأسبوع تحددهما لاختبار«آيلتس» في أحد فنادق الخمسة نجوم في العاصمة، فالامتحان الذي يخضع له قرابة ألف متقدم يدفع كل منهم ألف درهم رسماً للتقدم لذلك الاختبار، ناهيك عن التحضيرات التي تسبق الاختبار من دورات وخلافه. وعندما يتعقد أي أمر، تظهر بموازاته سوق سوداء.
ورأينا كيف جرى مؤخراً الكشف عن معاهد «تبيع» نتائج هذين الاختبارين، وتم تقديم المتورطين في تلك القضايا للعدالة.
شخصياً أتمسك بقناعتي بأن من يروج بأن اللغة العربية لا تواكب العصر، ولا تصلح لتدريسعلوم العصر، إنا يستهدف هويتنا الوطنية، فاللغة أهم محور فيها وتتفرع عنها بقية أدوات تلك الهوية، وتصونها من الذوبان والتلاشي. وبرز أمامي عند الكتابة جدول بترتيب الدول الأولى في التعليم، وجميعها تستخدم في التدريس بجامعاتها لغاتها الأم. وقد كانت في المرتبة الأولى من ذلك الجدول كوريا الجنوبية التي لا يخلو أي بيت في بلادنا وغيرها من بلدان العالم من أحد منتجاتها. وعندما زرت سيؤول لمست ذلك، فعند الحاجة للحديث مع أي مسؤول عليك انتظار المترجم.
وعندما التقيت بمدير عام مجلس التعليم الفنلندي لدى مشاركته في القمة الحكومية الثانية بدبي فبراير الماضي، كان سؤالي له عن لغة التدريس في جامعات بلاده، فرد الرجل بدون تردد:الفنلندية، والإنجليزية لغة ثانية لمن يرغب في تعلمها كوسيلة وأداة تواصل مع الآخرين، هذه التجربة الفنلندية التي ينبهر بها الكثيرون، عمادها الاعتزاز باللغة الأم وهوية بلد يقع بين امبراطوريتين سادتا حقبا تاريخية مختلفة. ومن هنا أتمنى أن يكون تصميم وحزم وشفافية الوزارة في واقعة الكلية مقدمة لتنقية ساحة التعليم العالي من المتاجرين بأحلام وطموحات الشباب.