أبوظبي ودبي .. لطالما وصفتا بأنها مديني الابتكار والتجديد العُمراني، بناطحات سحابها الشاهقة وشوارعها الواسعة ومراكز التسوق الضخمة، وصانعتي السياحة في العصر الحديث، حتى باتت تنافسان برج ايفل في فرنسا، وأهرام الجيزة وأبو الهول في مصر، إلا أنهما تصنفان وفق منظمات حقوقية كذلك من ضمن أسوأ مناطق العمل في العالم، بعدما تبين أن تلك الانجازات والصروح العُمرانية شُيّدت على أكتاف العُمال البسطاء بأبخس الأثمان وأدنى الحقوق.
فما يتقاضاه العامل في تلك الأبراج يتراوح ما بين 500 إلى 900 درهم شهريا، يُقتطع منه 350 درهم مقابل وجبات يومية تقدم لهم، وبحسبة النسبة والتناسبب فإن هذا المبلغ بالكاد يكفي لدفع فاتورة طعام شخص أو شخصين في مطاعم دبي أو أبوظبي الراقية في تلك الأبراج.
لقمة العيش ملطخة بمرارة العمل
رغم تطبيق الدولة لبعض معايير السلامة من ضمنها منع العمل تحت شمس الظهيرة والتي تصل درجة الحرارة إلى 45 في الظل وتزيد عن 50 درجة في الأماكن المكشوفة، والزام الشركات بتسديد الحقوق المالية لهم، إلا أنها كانت بعيدة عن التطبيق على أرض الواقع، فما زال التحايل على موضوع العمل خلال فترة الظهيرة يتأرجح ما بين اجبار العمال على العمل خلال هذه الفترة، وما بين تعويض ساعات التوقف بالعمل في ساعات الفجر الأولى والتي تتطلب النهوض في منتصف الليل استعدادا للعمل، أما على صعيد الحقوق المالية، فقد بلغ التأخير في اعطاء الرواتب عند بعض الشركات لستة أشهر، وهو ما أجبر العمال للخروج بمظاهرات احتجاجية سلمية للمطالبة بالحد الأدنى من حقوقهم.
احتجاجات عمالية متكررة
فالاضطرابات العمالية التي شهدتها دبي أواخر شهر مارس 2006، في موقع بناء برج دبي، كانت واحدة من سلسلة أحداث متشابهة تكررت وتم التكتيم عليها بالسجن والتسفير لكل اللذين شاركوا فيها.
ففي 21 مايو 2013، أضرب آلاف العمال الأجانب في الإمارتيْن في شركة "ارابتك" التي قامت ببناء برج خليفة في دبي وتتولى إنجاز بناء فرع متحف اللوفر في أبو ظبي، عن العمل للمطالبة بتحسين ظروف عملهم وزيادة أجورهم، وكالعادة، تدخلت الأجهزة الأمنية لتحل الأزمة مع المضربين لكن بطريقتها، فاعتقلت عشرات ممن وصفتهم بـ "المحرِّضين" ثم قامت بتسفيرهم خارج البلاد.
لتصل تلك الاحتجاجات يوم الثلاثاء الماضي (10|3) بتجمع المئات من عمال الانشاءات على طريق رئيسي في دبي بالقرب من برج خليفة الاعلى في العالم، وللأسباب نفسها.
الطريقة الأمنية في معالجة المشاكل العمالية
وبدلا من قيام الحكومة بالعمل بشكل جدي وواقعي، لمعالجة تلك المشاكل المتكررة، من خلال محاورة رأس المال، واعطاء الفرصة للقضاء لأخذ حقوق العمال من تلك الشركات، أو من خلال انضمام الشرطة للعمل على تطبيق قوانين الدولة التي تعطي الحقوق للعمال، إلا أنها اتخذت من الحل الأمني طريقا للقضاء على المشكلة، فلجأت إلى تسفير الآلاف منهم لأتفه الأسباب، وسجن وتعذيب آخرين ناهيك عن التهديدات المتواصلة التي يتعرضون لها ليل نهار من أرباب العمل.
وتحسبا من ارتفاع ردات الفعل المتوقعة، قامت الحكومة الإماراتية بالتعاقد مع شركة "بلاك ووتر" وهي شركة أمريكية توفر المرزتقة، للقيام بأعمال قذرة، بمقابل مالي، وهذا ما كشف عنه تلفزيون "ديمكراسي ناو" الأمريكي من أن الإمارات العربية تعاقدت مع الملياردير إرك برنس مؤسس شركة بلاك ووتر للخدمات الأمنية لتشكيل قوة من المرتزقة قوامها 800 شخص، يناط بها القيام بمهمات داخل وخارج البلاد وحماية خطوط البترول وناطحات السحاب وقمع أي عصيان.
كما عرضت صحيفة /نيويورك تايمز/ ما قالت إنها وثائق وقعتها الإمارات تظهر عقدا قيمته 529 مليون دولار مع شركة برنس الجديدة (ريفلكس ريسبونسس) لتشكيل القوة.
وأشارت الوثائق إلى أن هذه القوات يمكن استخدامها إذا ما قام العمال الأجانب باحتجاجات ضد ظروفهم في مخيمات العمل أو إذا تم تحدي النظام بمظاهرات داعية للديمقراطية مثل تلك التي عمت العالم العربي.
وتصف إحدى وثائق العقد (السيطرة على الحشود) بفض الحشود التي لا تحمل أسلحة نارية، بل "أسلحة مرتجلة" مثل العصي والحجارة.
فإلى أين ستصل تلك الاحتجاجات، وهل لها أن تكون قنبلة موقوتة تبلغ شظاياها المجتمع الإماراتي؟