علي العمودي
من الغرائب التي سمعتها خلال الأيام القليلة الماضية، ما ذكرته مواطنة تبحث
عن وظيفة لأحد برامج البث المباشر، حيث تقدمت لإحداها في أبوظبي، على
الرغم من أنها من سكان الشارقة، بعد أن طال انتظارها لفرصة عمل بالقرب من
مكان سكنها. وجه الغرابة في الاتصال رفض طبيب منحها شهادة اللياقة الصحية
للوظيفة المنتظرة، لأن وزنها يزيد أربعة كيلو جرامات عن المحدد بالنسبة
للطبيب!!
الوظيفة كانت عادية، وليست فنية أو ذات طبيعة خاصة حتى يُوضع مثل هذا الشرط
الغريب الذي يضاف إلى سلسلة من الاشتراطات التي يمكن إدراجها ضمن أدوات
التخلص من التوظيف والتملص من «التوطين» تحت حجج ومبررات واهية.
في
البداية كانت الأسباب عن افتقار المتقدمين للخبرة في مقدمة الأعذار التي
تساق، بينما تذهب الوظائف للمقربين من المسؤولين عن دوائر التوظيف، وهذه
تكاد تكون الصورة العامة في أغلب الدوائر والمؤسسات.
وتصادفت شكوى
تلك المواطنة المتصلة مع تغطيات ميدانية لوسائل إعلامية أخرى لمعارض توظيف
انطلقت في الفترة ذاتها، وقد حملت حالة من الإحباط وفقدان الثقة في هذا
الجانب المهم من جوانب الحياة المستقبلية لمئات الخريجين الشباب الذين
يجدون ألوفاً مؤلفة من البشر تتدفق على بلادهم التي تعد من أكبر أسواق
استقدام العمالة، ومن شتى أصقاع الأرض، بينما هم لا يجدون الفرصة تحت مبرر
الخبرة، هذا المبرر الذي يتساءلون معه عن الكيفية التي يمكن اكتساب الخبرة
بها طالما لم تتح للخريج الجديد فرصة العمل.
مجالس ومكاتب التوطين
التي وجدت لتسهيل العملية، أصبحت هي أيضاً في مرمى تلك الانتقادات المريرة،
بعد أن طالت قوائم الانتظار فيها، وطالت وتعددت اشتراطاتها، وتضاءل دورها
ليصبح مجرد تسلم وتحويل «السير الذاتية» للمتقدمين.
وضمن المعاناة
أيضاً تبرز محنة أصحاب المؤهلات الدنيا من ثانوية عامة وإعدادية الذين لم
تعد المؤسسات حتى تقبل بتسلم طلباتهم بحجة «تدني المؤهل»، بينما ترفع جهات
التوظيف شعار «مؤهل أعلى من المطلوب» لحملة الشهادات الجامعية والدرجات
العلمية الرفيعة.
تلك المحنة الخاصة بحملة المؤهلات الدنيا تتطلب
معالجة خاصة بإخضاع هذه الفئات للمزيد من الدورات التأهيلية التي تمكنهم من
الالتحاق بوظائف تتناسب ومستوياتهم العلمية. وقبل أيام، كانت إحدى الأمهات
تشكو المعاناة التي تعصف بها، وهي ترى ثلاثة من أبنائها يمضون النهار
نياماً والليل سهارى، بعد أن سدت الأبواب في وجوهم لأنهم لا يحملون غير
«الإعدادية»، ما اضطرها للخروج بنفسها والذهاب للجهات التي قد تجد فيها
فرصة لتشغيلهم أو بها بصيص أمل لفرصة عمل.
لا أعتقد أن معالجة مسألة
التوظيف بحاجة لمجالس إضافية أو المزيد من معارض التوظيف الاستعراضية، قدر
ما أنها تتطلب تفاعل المسؤولين وإدراكهم الواجب المناط بهم، ودورهم في
إتاحة الفرصة لهؤلاء الشباب للعمل والاعتماد على أنفسهم وخدمة أسرهم
ووطنهم. وأن يتابعوا شؤون التعيينات بأنفسهم، بدلاً من تركها لمزاجية أقسام
الموارد البشرية التي يفتقر الكثير منها لإدراك ماهية وأهمية التوطين،
وتجدها بعد ذلك تتفنن في ابتكار الاشتراطات العجيبة من زيادة أربعة
كيلوجرامات في وزن المتقدم، وهو مجرد سبب للتهرب، وإغلاق نافذة للأمل في
وجه أي باحث عن فرصة عمل!.