قررت حكومة الإمارات برئاسة الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم" نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حلّ وتصفية "جمعية الإصلاح" والتوجيه الاجتماعي ومصادرة جميع أموال وموجودات الجمعية وضمها إلى دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي.
ويأتي قرار حل الجمعية الذي أعلن مساء الأحد وأصدرته وزيرة الشؤون الاجتماعية "مريم محمد خلفان الرومي" بقرار وزاري يحمل الرقم 906 لسنة 2014 بحل "جمعية الإصلاح" والتوجيه الاجتماعي وتصفيتها بموجب القرار الوزاري رقم 10 لسنة 1974، والمقيدة تحت رقم 2 في سجلات الوزارة وكل فروعها ومراكزها واللجان التابعة لها في الدولة، "الخليج الجديد" تناول أبعاد هذا القرار ولماذا في هذا التوقيت بالذات رغم أنه مطبق فعلياً منذ 14 سنة.
قرار سياسي بامتياز
يرى مراقبون أن القرار سياسي بامتياز ويريد مسح "جمعية الإصلاح" من الذاكرة الجمعية للإماراتيين وعدم وجود ما يذكر مواطنيها والمقيمين على أرضها بمآثرها ونشاطاتها الإسلامية والاجتماعية والثقافية والرياضية والنسائية، كما يأتي بحسب رأيهم انتقاما للحملات الإعلامية التي يقودها دعاتها ومناصروها خارج السجون والمنتشرون في العديد من بقاع أوروبا هربا من ملاحقات جهاز الأمن لهم بعد عشرين عاما من قرار حل مجلس إدارتها وتحديدا في 1994 وتعيين أعضاء موالين لجهاز الأمن بمختلف فروعها باستثناء فرع إمارة رأس الخيمة الذي رفض حاكم الإمارة الشيخ "صقر بن محمد القاسمي" هذا القرار ووجه ولي عهده حينها الشيخ "خالد بن صقر القاسمي" بأن يشرف على فرع الجمعية وتعيين أعضاء من أبناء الإمارة لإدارة مناشطها.
دبي وأبوظبي اعتبرتا حينها قرار حاكم إمارة رأس الخيمة تحديا لهما فقامت بإغلاق محابس الدعم المالي عن الإمارة وأغرقت سكانها في ظلام دامس بسبب شح المازوت وتوقفت عن الدعم المالي حتى أجبروا الحاكم قبل وفاته بأن يعين الشيخ «سعود» وليا للعهد وكان لهما ما أرادوا، وتم احتجاز الشيخ «خالد» إجباريا في أحد القصور ثم نفيه إلى خارج البلاد بعد تعيين الشيخ «سعود القاسمي» حاكما للإمارة ليكون لهما تابعا ومعينا لما يخططون له ويرمون إليه من إجراءات تعسفية بحق الإصلاحيين ومناصريهم المنتشرون في إمارة رأس الخيمة لكونها أكثر إمارات الدولة تعلما وحبا للعلم.
ويضيف المراقبون للمشهد السياسي في الإمارات أنه وبعد أن بدا في الأفق ملامح التضييق على مناشط الجمعية الثقافية والاجتماعية والدينية ورسائل الغضب القادمة من أبوظبي عبر عدد من التجار بأن "جمعية الإصلاح" دولة داخل الدولة، رأى البعض بأن سر الغضب يكمن في أن مناشط الجمعية تلفت النظر إلى دبي أكثر من غيرها من الإمارات الأخرى وعلى وجه الخصوص إمارة أبوظبي التي كانت في منافسة سياسية وترفع شعارات على بواباتها تحمل عبارة «العاصمة السياسية للدولة» كتعبير صامت عن غضبها لشمول دبي العديد من الامتيازات التي تعرف بها الدولة في الخارج.
كما أن بعض التجار اقترح على مجلس الإدارة بتجديد طلب افتتاح فرع للجمعية بإمارة أبوظبي وعرض الأمر للمناقشة بالمجلس فارتأوا حينها أن قرار إشهار الجمعية انطلق من دبي ومن الصعوبة أن يقبل شيوخ أبوظبي أن تكون العاصمة السياسية بها فرعا وليس أصلاً، ثم أن كافة مناشط الجمعية يأتيها المواطنون والمقيمون من كل أنحاء الدولة ولا يوجد ضرورة لهذه الخطوة المعروف نتائجها مسبقا.
وأشار بعض السياسيين إلى أن تزامن القرار مع الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير في مصر التي ألهبت مشاعر الإصلاحيين والسياسيين في الإمارات دفعتهم بإعلان مطالبهم العشر الإصلاحية رسالة أخرى من حكومة الإمارات للمضي قدما في مواقفها المتشددة تجاه مطالب يراه كثيرون مطالب مشروعة تتسق مع الفطرة السوية لأبناء الوطن، كما تأتي اتساقا مع ما أصدرته الحكومة مؤخرا بتضمينها بقائمة الــ83 منظمة التي اعتبرتها منظمات إرهابية وأدرجت بموجبها "جمعية الإصلاح" والتوجيه الاجتماعي ضمن قوائم التنظيمات الإرهابية.
قرار غير قانوني
من جانبهم قانونيين يرون ثمة خطأ في القرار الوزاري بما يتيح لهم فيما بعد برد هذا القرار وإعادة الأمور إلى سابق عهدها أن كافة متعلقات ومباني وأندية وملحقات رياضية واجتماعية وقف خيري أوقفه حكام ثلاث إمارات (دبي والفجيرة ورأس الخيمة) لصالح "جمعية الإصلاح" التي أسسها عدد من التجار والإصلاحيين بتوجيه من أحد شيوخ إمارة دبي وترأس شرفيا مجلس إداراتها سنوات، ثم ترأس الحاج "سعيد لوتاه" صاحب ومؤسس أول تجربة بنك إسلامي في العالم بدبي مجلس إدارتها ولا يجوز شرعا أن تؤول هذه الأوقاف إلى أي جهة إلا بإذن المانح الذي هو طبعا بين يدي الله منذ عقود، كما يلفت بعض المهتمين بالشأن أن مجلدات الإفتاء الصادرة من دائرة أوقاف دبي تتضمن فتوى بعد جواز نقل ملكية الوقف إلى أي جهة بما يعد قرار الحل مطعون فيه دينيا وقانونيا.
إصلاح الكويت
كما أن محللين يربطون بين إعادة نشر قرار الحكومة الإماراتية بعد نحو 14 سنة أقل أو أكثر من تطبيقه فعليا، وبين محاولة الحكومة الإماراتية التأثير في قرار محكمة الاستئناف العليا في الكويت – بشكل مباشر أو غير مباشر-، تأجيل النظر في الدعوى المرفوعة أمامها في أول يناير/ كانون الثاني الجاري، بحل "جمعية الإصلاح الاجتماعي" في الكويت، إلى جلسة 2 فبراير/ شباط المقبل، بعد سماع مذكرات الدفاع في الجلسة التي عقدت أمس الأول، وطلب مقدم الدعوة سماح المحكمة بالحصول على مستندات تخص أفرع الجمعية.
وقال مقدم الدعوى المحامي الكويتي "بسام العسعوسي"، والذي قرر الاستعانة بنقيب محامي مصر «سامح عاشور» – عدو «الإخوان المسلمين» - إنهم طالبوا من المحكمة السماح لهم بالحصول على بعض الأوراق الخاصة بقرار وزارة الشئون الكويتية، وإغلاق بعض الأفرع التابعة لـ"جمعية الإصلاح"، حول عددها، وأسباب الإغلاق.
كما تقدم الدفاع بمذكرات خاصة، فأجلت المحكمة الدعوى إلى حين الحصول على الأوراق المذكورة، وأضاف أوضحنا للمحكمة أن الجمعية تعمل بما يخالف القانون الخاص بجمعيات النفع العام، بأنها تشتغل بالسياسة، وأن نشاطها واجهة لجماعة «الإخوان» التي صنفتها مصر جماعة إرهابية.
وكانت محكمة كويتية قد رفضت دعوى لحل «جمعية الإصلاح الكويتية في 25 مارس/ آذار 2014، لانتفاء الصفة والمصلحة، وكان مجلس الأمن كان قد برأ نهاية العام الماضي إحدى اللجان الخيرية التابعة لـ«جمعية الإصلاح» من تهم «الإرهاب»، وذلك بالتعاون مع وزارة الخارجية الكويتية.
إصلاح الإمارات
وتعد «جمعية الإصلاح» والتوجيه الاجتماعي حركة إماراتية دعوية اجتماعية خيرية ذات توجه سياسي إسلامي تأسست سنة 1974، تنتهج أسلوب دعوي سلمي إصلاحي وسطي، مقربة من جماعة «الإخوان المسلمين»، ومحظورة حاليا في الإمارات، يترأسها الشيخ «سلطان بن كايد القاسمي» أكاديمي معروف ومؤسس عدة جامعات خاصة بالإمارات، علاوة على كونه ابن شقيق حاكم رأس الخيمة الراحل الشيخ «صقر القاسمي»، و«بن كايدر معتقل حاليا مع عشرات النشطاء المنتسبين للحركة.
وشن النظام الإماراتي حملة اعتقالات وسط أعضاء «جمعية الإصلاح» سنة 2012، في أعقاب انطلاق ثورات الربيع العربي في تونس ومصر، وبلغ عددهم نحو 94 سجينا بزعم اتهامهم – من قبل الخصم والحكم الجهاز الأمني في الإمارات- بارتباطهم بتنظيم غير قانوني يجمع أموالا بطريقة غير مشروعة وله ارتباطات مالية وتنظيمية وسياسية بالخارج, والتآمر على أمن الدولة.
وقامت السلطات الإماراتية بسحب الجنسية من دعاة ينتمون إلى الجمعية، كان أبرزهم الذين تبنوا عريضة أسميت بعريضة المجلس الوطني التي تطالب بإنشاء برلمان ديمقراطي، ووقع عليها ما يزيد عن ألف مواطن خاصة من المفكرين والأكاديميين ونخبة المثقفين.
وكان لـ«جمعية الإصلاح» والتوجيه الاجتماعي بدبي مناشط متعددة تشمل الجانب الدعوى عبر مسجد ضخم يحتل صدارة منطقة القصيص ويطل بمأذنته الشاهقة على مقر القيادة العامة لشرطة دبي ووزارة الثقافة والمجلس الوطني للإعلام، وصالات لإقامة الأفراح، وسلسلة ملاعب رياضية مختلفة، ولجنة إغاثة وتقديم مساعدات للمحتاجين، ومكتبة ضخمة، ومقر لمجلة الإصلاح واسعة الانتشار في حينها، وبعد قرار الحل في عام 1994 وتعيين مجلس إدارة جديد لم يتغير شخوصه على مدار عشرين سنة متتالية بإيعاز من ديوان دبي وجهاز الأمن، لم يتبق نشاط إلا اعتراه الجفاف باستثناء تأجير قاعات الجمعية للمناسبات الاجتماعية من أفراح وأحزان وفعاليات مجتمعية انتظارا لهذه الخطوة التي يعتبرها البعض مثيرة للجدل.