عائشة سلطان
ليس أصعب من الخيانة على النفس، الخيانة سلوك سافل وبشع لا يمكن التسامح إزاءه أو نسيانه بسهولة، حتى الذين يتجاوزون كارثة الخيانة غالبا ما يضعون نقطة في نهاية الجملة ويقلبون الصفحة ولا يعودون إليها مجددا، تلك العلاقات التي تنتهي بالخيانة غالبا ما تقلب الى الأبد، فالذي يخون مرة من المتوقع أن يخون مجددا، ما الذي يمنعه؟ لو أنه محصن ضد هذا السلوك ما خان في المرة الأولى، مع ذلك فالبعض يحلو لهم الصفح على اعتبار أن الغفران يمكن أن يقلب معادلة النفس الإنسانية، وعادة ما لا ينجح هذا الاعتبار !
كانت فتاة جادة في كل مسيرة حياتها، تلتزم منظومة قيم لم تتنازل عنها يوما، بنت حياتها باجتهاد مشهود وأسست لوضع وظيفي مرموق، وحين ارتبطت عاطفيا بذلك الرجل فعلت ذلك لأنه قبلها كما هي بكل جمالها وبكل عيوبها هكذا كان يقول وهكذا كانت تشعر، حتى حانت اللحظة التي قبضت عليه يخونها في عقر بيتها، بكت، قذفت الأشياء في وجهه، وكانت غصتها قاتلة، ولأنها لم تتحمل الخيانة فقد تركته وتركت وظيفتها لأنها كانت تعمل معه في نفس المكان ! وغابت عن الجميع، وزادت على ذلك بأن صمتت إزاء الشائعات التي كانت تصلها من زملاء العمل، وحين تعافت من الصدمة بدت لها الشائعات مجرد شائعات بل ومضحكة أيضاً!
جلست مع أحد أصدقائها يوما، سألها عن سبب تركها للعمل، وهي التي كانت تحب عملها وكانت أول من يحضر وآخر من يغادر؟ قالت له إن ذلك ليس مؤشرا على حبها للعمل ولكن على خوفها، شرحت له أنها كانت تحرص على أن لا تتغيب عن العمل وتفعل كل ما في وسعها لتصل قبل الوقت المحدد أيا كانت الظروف لأنها كانت تخشى أن يحدث شيء ما اذا لم تفعل ذلك، وفي الحقيقة فقد كان ذلك الالتزام بالعمل هو ما يجعلها قوية ومتماسكة وما يشعرها بالأهمية، بعد الحادثة التي تعرضت لها أيقنت أنها كانت واهمة تماما، كمعظمنا حين نعتقد أن هذا الشخص هو ما يجعلنا سعداء وهذا العمل هو ما يجعلنا متماسكين وهذا السلوك هو ما يمنحنا رضا الآخرين واهتمامهم.... ثم نكتشف حجم الوهم فنضحك على ما كنا نتوهمه!
بعد تلك الوظيفة عملت تلك الفتاة في وظيفة تبدو لبعض تافهة وغير لائقة: منزهة كلاب !! نعم أعلنت عن طريق صديقة لها بأنها مستعدة لتمضية وقت محدد مع الكلاب في نزهات طويلة لبعض الذين يسافرون أو لا يستطيعون الخروج مع كلابهم، تلك وظيفة في المجتمعات الغربية تدر عائدا جيدا، لكنها شعرت أنها تخلصت من أوهام كثيرة بتلك النزهات الشاقة التي كانت تقوم بها مع تلك الحيوانات!
فيما بعد بدأت تتعرف على ما يجعلها قوية فعلا، بدأت تفهم السر الحقيقي في معادلة السعادة والتماسك النفسي، فكلنا لديه اهتمامات وأمور يحبها، لكنه يحبها لأجل نفسه، وقبل ذلك وذاك فهمت أن عليها أن تحب نفسها وتقبلها كما هي، لأنها بذلك ستعيش البهجة الحقيقية، وستجمعه تلك الاهتمامات بأصدقاء آخرين يقضي بصحبتهم وقتا مفعما بالمرح وستكون تلك الهوايات والاهتمامات أمرا مشتركا فيما بينهم بعيدا عن تصنيف الاخرين لها بأنها تافهة أو سخيفة أو...
يحتاج الإنسان أن يعرف على وجه الدقة تلك الأمور التي تجعله قويا ومتماسكا وسعيدا حين يقوم بها، وانه حين يقوم بها فإنما يفعل ذلك لأجله هو لا لأجل الاخرين!