عائشة سلطان
في أمسية ثقافية طرحت على مقدمتها كماً من الأسئلة يحتاج إلى ساعات للإجابة عليها، مع ذلك فقد كانت أسئلة ذكية جداً وحقيقية وليست مجرد أسئلة لتعبئة فراغ الوقت والثرثرة، أحسنت مقدمة الأمسية صنعاً، فقد حولت زمن اللقاء بأسئلتها إلى وقت ممتع بالفعل وللجميع كما عرفت منهم ، إن النسبة الكبرى لنجاح أي لقاء يعتمد على كاريزما الضيف - ذلك ما يقال - لكنني أؤكد أن ذكاء المقدم ومعرفته الدقيقة بموضوعه يشكل عاملاً حاسماً لنجاح وجاذبية اللقاء أو فشله ، كان من بين الأسئلة التي اعتقد بأن الإجابة عليها تحتاج إلى اهتمام مجتمعي ورسمي كبير، ذلك السؤال حول القراءة : كيف نجعل الأفراد في المجتمع يقرؤون ؟ خاصة وأننا نعتبر من المجتمعات التي لا تتباهى كثيراً بعادة القراءة بين أفرادها، كان السؤال يحاول تحديد الجهة أو الطرف الذي يجب أن نحمله هذه المهمة لنستريح ؟
كيف أجعل من ابني الذي لا يقرأ قارئاً ؟ وأيضاً من تلميذي وطالب الجامعة وجارتي وصديقتي و... الذين هم في الأساس لا علاقة لهم بهذا التوجه أو الاهتمام أو العادة، عادة القراءة، هل يمكن صنع قراء بوصفة سحرية أو بوضع قواعد محددة ؟ أولاً ومن تجربة شخصية اعتقد بأنك من الصعب أن تقنع شخصاً تجاوز العشرين من عمره بالقراءة إذا كان من النوع الذي لم يفكر يوماً باقتناء كتاب أو قراءته، إن الأشخاص الذين لم يشكل لهم الكتاب سحراً جاذباً في طفولتهم أو مراهقتهم المبكرة، ولم يتحمسوا يوماً لدخول مكتبة أو معرض كتاب ، هؤلاء الأشخاص لا يمكن تحويلهم بأي وصفة وتحت أي إغراء أو ضغط للقراءة، ما عدا تلك القراءة البراجماتية القائمة على استيفاء مصلحة زمنية محدودة كقراءة كتب الجامعة لأجل الدراسة والامتحانات أو قراءة كتب دورة تدريبية مثلًا لأغراض الوظيفة أو قراءة كتب الطبخ والأبراج !
القراءة توجه فردي يولد مع الإنسان أحياناً، ويمكن توجيهه وتنميته داخل الأسرة أولاً وفي مراحل الدراسة المبكرة عبر مكتبات الفصل ومكتبة المدرسة ومكتبات الأحياء وهكذا ، بمعنى آخر فإن القراءة تربية وتنشئة وبرمجة عصبية وذهنية طويلة المدى تبدأ في سنوات الطفولة المبكرة لتنتهي عادة ملازمة وطقساً يومياً وسمة من سمات االشخصية تنعكس آثارها على الإنسان بشكل رائع جداً في سنوات عمره اللاحقة.
لقد حاولت جعل صديقة لي أيام الدراسة الجامعية تقرأ أو تحب الكتب، تدرجت معها بشكل سلس وبكتب بسيطة، كان الأمر بطلب منها وليس بضغط مني، ولقد حاولت هي كما قالت لي هضم عملية القراءة، وجعلها توجهاً إرادياً، تسعى إليه لكنها في كل مرة تجد نفسها تحاول أمراً لا تطيقه ولا يشكل لها أهمية أو شغفاً حقيقياً، كما كانت تقول ( لم أحب هذا الشيء تقصد القراءة ) !
إذا أردنا أن نكون جيلًا قارئاً، علينا أن نصمم فصولاً تكون المكتبة ركناً رئيسياً فيها، وتكون معلمة القراءة أو معلم القراءة منفصلاً عن دروس النحو والبلاغة والأدب، تعليم القراءة مجال مختلف ومستقل وعلينا أن نجعل في كل حي مكتبة وفي كل مدرسة معلماً يعلم الصغار كيف يقرؤون وماذا يقرؤون ومتى يقرؤون، يدلهم على الكتب ويتلمس احتياجات وتوجهات كل تلميذ ويكون هو ابتداء قارئاً منتمياً للقراءة، يكون قارئاً حقيقياً ليس من باب الوظيفة، ولكن من باب الشغف بهذا العالم البهي: عالم القراءة!