أقرت حكومة الإمارات مرسوماً بقانون اتحادي يقضي بإنشاء الهيئة الوطنية للإعلام كجهة اتحادية عامة تتبع مجلس الوزراء، لتحل محل عدد من المؤسسات الإعلامية القائمة، من بينها مجلس الإمارات للإعلام والمكتب الوطني للإعلام ووكالة أنباء الإمارات.
وبموجب التشريع الجديد، تُمنح الهيئة صلاحيات واسعة لتوحيد السياسات الإعلامية، وتنسيق الرسائل الرسمية، والإشراف على المحتوى الإعلامي المطبوع والمرئي والرقمي داخل الدولة وخارجها.
وتؤكد الحكومة أن الخطوة تهدف إلى “تعزيز الخطاب الإعلامي الوطني” وتوحيد الرسائل الاستراتيجية محلياً ودولياً، إلا أن القرار أثار تساؤلات واسعة في أوساط معنية بحرية الصحافة، في ظل بيئة إعلامية تواجه أصلاً قيوداً صارمة، حيث تغيب التعددية المستقلة ويُحظر عملياً أي نقد مباشر للسلطة أو للعائلات الحاكمة.
وتتمتع الهيئة الجديدة بصلاحيات شاملة تشمل وضع التشريعات والسياسات الإعلامية، وترخيص المؤسسات والمنصات الإعلامية، ومراقبة المحتوى في جميع أنحاء الدولة بما في ذلك المناطق الحرة، إضافة إلى تسجيل واعتماد الصحفيين المحليين والأجانب، ومتابعة اتجاهات الرأي العام، وإدارة ما تصفه بـ“الأزمات الإعلامية”.
ويرى مراقبون أن هذا التمركز الواسع للسلطات في جهة واحدة يعزز من قبضة الدولة على المجال الإعلامي، ويحد أكثر من هامش الاستقلالية المتاح للصحفيين والمؤسسات الإعلامية.
وتشير منظمات دولية معنية بحرية التعبير إلى أن الإعلام في الإمارات يخضع لرقابة مشددة، مدعومة بإطار قانوني صارم، أبرزها قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية والأمن الوطني، التي تُستخدم – بحسب هذه المنظمات – لتجريم أي محتوى يُفسَّر على أنه انتقاد للسلطات أو “إضرار بسمعة الدولة”. وقد حذرت مراسلون بلا حدود من أن هذه القوانين تخلق مناخاً من الرقابة الذاتية، وتجعل العمل الصحفي المستقل شبه مستحيل.
وفي تقاريرها السنوية، تضع مراسلون بلا حدود الإمارات في مراتب متأخرة عالمياً على مؤشر حرية الصحافة، مشيرة إلى غياب الإعلام المستقل، وسيطرة الدولة الكاملة على المحتوى الإخباري، وعدم السماح بوجود صحافة معارضة أو نقدية.
كما اعتبرت فريدوم هاوس أن الفضاء الإعلامي في الإمارات “غير حر”، حيث تُفرض قيود قانونية وأمنية واسعة على الصحفيين، ويُمنع تأسيس وسائل إعلام مستقلة خارج الإطار الرسمي.
ويرى مراقبون أن إنشاء الهيئة الوطنية للإعلام، بصلاحياتها الواسعة في مراقبة المحتوى، وتنظيم تدفق الأخبار، وإدارة الرواية الرسمية، يأتي في سياق ترسيخ نموذج إعلامي مركزي، يقوم على “الرسالة الواحدة” ويحد من التنوع في الآراء ووجهات النظر.
كما يحذرون من أن ربط تنظيم الإعلام بإدارة “الأزمات” و”مكافحة المعلومات المضللة” قد يُستخدم لتبرير مزيد من التضييق على حرية التعبير، خصوصاً في القضايا السياسية والحقوقية.
وبينما تؤكد الحكومة أن الهدف هو تعزيز المهنية والالتزام بأخلاقيات العمل الصحفي، ترى منظمات حقوقية أن أي إصلاح حقيقي للإعلام يجب أن يبدأ بتوسيع هامش الحرية، وضمان حماية الصحفيين، والسماح بالتعددية، بدلاً من توسيع الأطر التنظيمية والرقابية التي تعمّق السيطرة الرسمية على المجال الإعلامي.