تساءل روبرت فيسك عما يدفع المستبدين والديكتاتوريين والطغاة وبالطبع من يقدمون أنفسهم بالأمراء المعتدلين المصلحين للاهتمام بالرياضة، هل هي فكرة “غسل الرياضة” التبييض الرياضي أم أمر آخر؟
وفي مقال نشرته صحيفة “إندبندنت” علّق فيه على محاولات السعودية الاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد الإنكليزي، وبعنوان “مقابل نيوكاسل يونايتد.. ربما أخبرنا السعوديون عن مكان جثة جمال خاشقجي”.
وقال: “ماذا عن الديكتاتوريين والمستبدين والطغاة وبالطبع الأمراء الشباب المتطرفين في اعتدالهم وديمقراطيتهم الذين أصبحوا مدمنين على الرياضة؟ هل ما يجذبهم في الحقيقة غسل الرياضة، وفكرة أنك تستطيع الإفلات من الخطيئة، وحتى تقطيع جثة من خلال دعم الفرق الرياضية وسباق السيارات أو الرياضيين؟ هل هذا يهم كثيرا عندما يكون لديك صواريخ باتريوت، هينكلز والقنابل العنقودية المصنعة أمريكيا والجيوش الجرارة والمقاتلات المصنعة في بريطانيا؟”.
ويجيب إن هناك شيئا ما في هذه الرقصة الإسبانية التي تمسك بخيال المستبدين. فهو ليس بحاجة هنا لأن يتحدث عن الألعاب في الكوليسيوم، التي كان فيها أباطرة الرومان يبذلون أموالا كثيرة مقابل قتل المصارعين الأشداء، المسيحيين أو الأسود البريئة.
ولا أن يذكرنا بما فعل هتلر عام 1936 عندما تخلى في دورة الألعاب الأولمبية عن نزعته المعادية للسامية كي يقوم بتبييض سمعته عبر الرياضة.
وبنفس السياق استخدم الاتحاد السوفييتي وببراعة الرياضة، حيث تحول نجوم فريقي سبارتاكس ودينامو إلى نجوم اشتراكية.
ويعلق فيسك قائلا: “لا أزال أذكر عملية غسل رياضة كبيرة، عندما قاطع جيمي كارتر دورة الألعاب الأولمبية في موسكو عام 1980 لأن ليونيد بريجنيف غزا أفغانستان. وعندما كنت أتجول حول مطار كابول شاهدت طائرة إيروفلوت تتوقف عند المدرج، وكان عليها صورة الدب الجميل ميشا الذي تم اتخاذه كشعار للدورة. وعندما فتح باب الطائرة ووضع السلم، نزل منها الجنود بزيهم العسكري وقبعاتهم ولم يكونوا يتنافسون في مباريات القفز العالي، مع أن هذا ما حدث من الناحية السياسية”.
و”مع أن الأمر ليس لي للقول إن اهتمام السعودية بشراء نسبة 80% من أسهم نادي نيوكاسل هو من أجل أن ننسى هجومها على اليمن، والقصف الجوي الذي قتل حتى الآن 17.000 من المدنيين. وان الأمير محمد بن سلمان الذي استضاف منذ عام 2016 سباق سيارات ومباريات مصارعة دولية، فهو من اخترع “صندوق التنمية الرياضي” ويأمل بأن يتخلص من الذاكرة الجمعية لموضوع جمال خاشقجي الذي انتهت رحلته إلى القنصلية في اسطنبول بعملية قتل حمقاء وتقطيع جثته”.
ويضيف فيسك أن “الأمير نفى أي مسؤولية شخصية عن الجريمة، لكن هذا لم يخفف غضب خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، والتي طلبت من الدوري الإنكليزي الممتاز (بريميير ليغ) منع استحواذ السعودية على النادي على خلفية أن عملية كهذه ستشوه سمعة كرة القدم الإنكليزية وتجعله متواطئا في عملية التستر السعودية على جريمة قتل خاشقجي”.
ووصف محاميها رودني ديكسون عرض الشراء بأنه “محاولة لتجنب العدالة على فعل لا يصدقه العقل” وسيدمر سمعة الدوري الإنكليزي. ولكن “السمعة” قد لا تهم في هذا السياق مشيرا إلى مملكة البحرين التي استقبلت سباق سباقات السيارات والتي حاولت من خلاله إظهار أنها بلد طبيعي رغم التعذيب والقتل وقمع الانتفاضة القصيرة عام 2011.
وأكدت على أن الرياضة هي فوق السياسة، وأظهرت طبيعتها من خلال استقبال سباق السيارات عام 2012 ولم يهتم المشاركون سواء لويس هاميلتون أو جينسون باتون بما حدث، فيما قال مدير “فورميولا وان” بيرني إكلستون، إن على الصحافة التعامل مع الحقائق وليس القصص المفبركة، وكأن قتل وتعذيب المتظاهرين كان خيالا.
وقد لا يهتم مشجعو نيوكاسل بمقتل جمال خاشقجي ولا حزن خطيبته. وربما وجدوا العزاء في استقبال قطر لمباريات كأس العالم 2022، فهي ليست ديمقراطية مزدهرة، ولكنها مقارنة مع السعودية تظل ديمقراطية ليبرالية ،وهي تتعرض الآن للحصار؛ لأن قناة الجزيرة تغضب مشيخات الخليج، ولأن قطر متعاطفة مع إيران.
ويعتقد فيسك أن المباراة الكروية الوحيدة وغير السياسية التي سمع عنها، هي تلك التي لعبها الجنود البريطانيون والألمان على الجبهة الغربية أثناء فترة وقف إطلاق النار غير الرسمية، وقت احتفالات أعياد الميلاد، قبل أن يوقف القادة كل هذا الهراء ويذكروا الجنود أن مهمتهم هي قتل الطرف الآخر، وليس مشاركته في لعبة كرة قدم.
وعلى الأقل كان لدى الجنود فرصة لنقل رفاقهم القتلى من المناطق العازلة بين الطرفين ودفنهم بطريقة محترمة، ولكن جمال خاشقجي ليس محظوظا، فرغم اعتراف السعوديين بقتل عملائهم للصحافي، إلا أنهم لا يريدون إخبار العالم عن مصير أجزاء جثته المنشورة.
وربما كانت هذه صفقة جيدة لرجال نيوكاسل عندما يبهرهم لون المال السعودي، 80% من أسهم النادي لهم مقابل إعادة بقايا جمال خاشقجي.