تفصل دونالد ترامب الرئيس الأمريكي المنتخب أيام معدودة عن بدء فترته الرئاسية بالبيت الأبيض، الذي يستعد لاستقبال رجال ترامب الذين صدر بشأنهم قرارات تعيين في مناصب كبرى بالإدارة الأمريكية الجديدة.
رجال ترامب، الوجوه التي اعتادت وسائل الإعلام الأمريكية تسليط الضوء عليهم كمتورطين في فضائح جنسية، وكمتطرفين يمنيين، أو مروجين لنظريات مؤامرة عالمية تُفسر لهم الصراعات الكبرى كمنهج للتحليل السياسي، يجدون أنفسهم هذه المرة في مشهدٍ وموقع مغاير كصناع لسياسة أمريكا في الداخل والخارج، خلافًا لما هو مألوف عنهم، بحسب تقرير للموقع الإخباري "ساسة بوست".
مستشار الأمن القومي لترامب: جنرال عسكري مفصول في عهد أوباما
الفريق المتقاعد مايك فلين، ضابط الاستخبارات السابق في الجيش، الذي أقيل من منصب رئيس وكالة استخبارات الدفاع في البنتاغون عام 2014، بعد 33 عامًا من الخدمة في الجيش الأمريكي، وذلك على خلفية نشوب خلافات بينه وبين فريق الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
مهام مستشار ترامب للأمن القومي خلال فترة خدمته بوكالة الاستخبارات تركزت في جمع المعلومات الاستخبارية، وفي قيادة العمليات الميدانية، أثناء عمله في أفغانستان وفي العراق منذ عام 2007 حتى عام 2014. وآخر منصب شغله فلين قبل تنصيبه مستشارًا للأمن القومي خلال ولاية ترامب، هي عضويته في مجلس مستشاري منظمة ACT for America، وهي المنظمة التي تعد الأكثر نشاطًا ضد الإسلام في الولايات المتحدة.
نظرية «فلين» للأمن القومي: التودد لروسيا.. وسياسات «السيسي» مصدر إلهام
في تغريدة له على تويتر، في فبراير من هذا العام، وصف مايكل فلين الخوف من المسلمين «بالمنطقي». بينما وصف الإسلام «بالسرطان الخبيث» الذي يعتقد أنه «عقيدة سياسية تتخفى في رداء الدين». وفي كتابه «ميدان المعركة- كيف ننتصر في الحرب العالمية ضد الإسلام الراديكالي وحلفائه» يحكي فيلين عن طفولته كطفلٍ عنيد، وعن حتمية هزيمة الاسلام الراديكالي، جنبًا لتفنيده ما وصفه بـ«ضعف سياسات أوباما تجاه الملف السوري واليمني»، حيث يرى أن أوباما ترك البلدين مرتعًا للإرهابيين.
نظريته للأمن القومي تتمثل في منع المسلمين من دخول أمريكا، والتعاون مع روسيا في الملف السوري، فضلًا عن كونه معجبًا بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وسياساته حيال «مكافحة الإرهاب»، والجماعات التي تنضوي تحت راية الإسلام السياسي. مفهومه عن الأمن القومي يتطلب الاشتباك العسكري مع كل «العناصر الإرهابية المسلحة» أينما كانوا، وتجنيد كل قوى أمريكا لمحاربة الإسلام الراديكالي، كما يروج دومًا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين تدير مؤامرة سرية يشترك فيها عشرات المنظمات حول الولايات المتحدة، هدفها السيطرة على مقاليد الحكم، وتطبيق الشريعة الإسلامية.
أطروحات منظِّر «ترامب»: الإخوان متغلغلون في الإدارة الأمريكية
فرانك جافني، مؤسس مركز أبحاث يدعى «مركز السياسات الأمنية»، الذي سبق لترامب وصف العاملين فيه بأنهم «مجموعة محترمة جدًّا من الباحثين الذي يعرفهم جيدًا»، سبق له العمل لأربع سنوات في وزارة الدفاع الأمريكية بحقبة الرئيس الأسبق، رونالد ريغان.
تمثلت مهام جافني خلال عمله كرئيس مركز أبحاث خلال السنوات الماضية، للترويج لعددٍ من الشائعات في دوائر الإعلام الأمريكي كالزعم أن «هوما عابدين»، مستشارة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، عميلة سرية للإخوان المسلمين، وإطلاقه اتهامًا بشأن السيناتور جون ماكين وزميله في الكونغرس ليندسي غراهام بأنهما كانا «الغطاء السياسي لجهود الإسلاميين للسيطرة على ليبيا وسوريا».
جافني الذي شارك في تأليف كتاب يحذر فيه من ما وصفه بـ«تسلل الشريعة» إلى أمريكا والغرب، مع ترويج «نظريات مؤامرة» معادية للإسلام، قام المركز الذي يديره جافني بنشر الدراسة المزعومة حول ميول المسلمين في أمريكا، والتي جاء فيها أن 51% من المسلمين بأمريكا يعتقدون أن من حقهم المطالبة بتطبيق أحكام الشريعة عليهم. وأن ربعهم يؤيد استخدام العنف ضد أمريكا في سياق «الجهاد العالمي».
مزاعم وخيالات جافني امتدت إلى الزعم بأن شعار وكالة الدفاع الصاروخية التي تتبع البنتاجون دليلٌ دامغ على تغلغل الإخوان المسلمين في الإدارة الأمريكية، فضلًا عن دفاعه عن قصف مقر قناة الجزيرة الفضائية بالصواريخ قبيل الغزو الأمريكي للعراق في 2003.
نائب ترامب: يرفض إعادة توطين السوريين في ولايته.. ومناصر لغزو العراق
مايك بينس، 57 عامًا، والذي جري اختياره نائبًا للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، ولد قبل 57 عامًا لأسرة كاثوليكية ديمقراطية، قبل أن ينضوي تحت راية الحزب الجمهوري كيميني متطرف، ويتسلل من خلاله إلى الكونجرس عضوًا مُمثلًا لأطروحات اليمين، منهيًا مسيرته السياسية بتقلده منصب حاكم ولاية إنديانا، وذلك قبل اختياره نائبًا للرئيس الأمريكي المنتخب.
تصريحات بينس تصنفه واحدًا من ألد أعداء المثليين، حيث قام بينس بالتوقيع على مشروع قانون «حرية الأديان»، وهو قانون تعرض للانتقاد بأنه يقوم برفض المثليين الجنسيين، وذلك في العام الماضي، فضلًا عن كونه من ألد أعداء قوانين حماية البيئة، ومن أبرز دعاة التوسع في استكشاف النفط في الأطلسي.
دعواته التي راجت تتضمن تضمين الدراسات اللاهوتية في المناهج الدراسية، وسحب الحق التلقائي في الجنسية للمولودين في أمريكا، بينما ظل موقفه المعادي لتوطين السوريين في الولاية التي تقلد منصبها كحاكمٍ لها أكثرهم رواجًا.
بينس الذي يصف ترامب بأنه «رجل طيب»، من مؤيدي الحرب على العراق عام 2003، بجانب كونه معارضًا لمقترحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإغلاق معتقل غوانتانامو، ودعوته لتقديم «المقاتلين الأعداء» للولايات المتحدة إلى محاكم عسكرية.
كبير مستشاري البيت الأبيض: داعم الديكتاتوريات.. ومتخصص في حملات انتخابية
ستيفن بانون، الذي بدأ مسيرته في عالم الأعمال والاستثمارات، حيث عمل في مصرف الأعمال «غولدن ساكس» في الثمانينيات، قبل أن يؤسس مصرفًا صغيرًا للاستثمارات، حمل اسم «بانون وشركاؤه»، عاد واشتراه مصرف «سوسييته جنرال» عام 1998.
برز بانون، في وسائل الإعلام الأمريكية بعد تسلمه إدارة موقع بريتبارت، وهو موقع إخباري يميني ينتهج سياسة معارضة للمؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية، ليبرز الموقع كمنصة إعلامية تروج لأفكار اليمين المتطرف، وتؤلب مشاعر الكراهية حيال العرب عمومًا، فضلًا عن تفرغها لمهاجمة المدافعين عن حقوق الإنسان بمختلف أطيافها.
في أغسطس 2016، عين بانون رئيسًا لحملة ترامب الانتخابية، ويوم 13 نوفمبر 2016، أعلن ترامب أنه سيبقيه إلى جانبه في البيت الأبيض في منصب كبير المستشارين، وكبير المخططين الإستراتيجيين.
مستشار ترامب للشرق الأوسط: عراب لإسرائيل.. ومدافع عن «السيسي»
ارتفعت حظوظ وليد فارس، لبناني الأصل، لشغل منصب مستشار ترامب لشئون الشرق الأوسط بالبيت الأبيض، ضمن إعادة تأسيس سياسة جديدة للبيت الأبيض حيال الشرق الأوسط. وكان فارس قد شغل هذا المنصب بالحملة الانتخابية لترامب. ولد فارس في العاصمة اللبنانية بيروت في ديسمبر 1957، لعائلة مسيحية مارونية، قبل أن ينخرط في الحركة السياسية بلبنان؛ بوصفه سياسيًّا وكاتبًا مقربًا من القوات اللبنانية يهتم بقضايا مسيحيي المشرق، من خلال إصدار مطبوعة تحمل اسم «صوت المشرق»، والحزب «الديمقراطي الاشتراكي المسيحي»، الذي ترأسه في هذه الحقبة.
خلال مرحلة الثمانينات، تولى وليد فارس –إبان الحرب الأهلية اللبنانية– مع حزب «القوات اللبنانية» بقيادة «سمير جعجع»، مهمة التثقيف الأيديولوجي لمقاتلي الحزب ضمن مهام «المكتب الخامس» الذي كان مكلفًا بالحرب النفسية، قبل أن تظهر مؤشرات انتهاء الحرب الأهلية بدخول القوات السورية إلى لبنان، ثم انتقل للولايات المتحدة الأمريكية عبر إسرائيل، بعد وصول أنباء عن مساعي الاستخبارات السورية بالبحث عنه، ويبدأ معها مرحلة جديدة.
شكلت أحداث 11 سبتمبر مرحلة نوعية في ذيوع صيت «فارس» بعد خفوت الأضواء عنه؛ حيث كانت هذه الفترة بسياقها السياسي الأمريكي حاضنة لتلميعه عبر شاشات التليفزيون، التي قدمته كخبير في الإرهاب وشؤون الشرق الأوسط، ومحاربة «الإسلام الراديكالي»، ويتناوب بعدها نشر مقالات وكتب تحذر من خطط المسلمين لفرض أنفسهم بشتى الأشكال في الغرب الحر، قبل أن تستقطبه وسائل الإعلام اليمينية، كـ«فوكس نيوز» التي التحق بها عام 2007 كـ«متخصص في شؤون الشرق الأوسط والإرهاب».
أتاحت الشهرة الاستثنائية لفارس، كمتخصص في مكافحة الإرهاب، التنقل بين عدة مواقع بلجان في الكونجرس الأمريكي، والبرلمان الأوروبي، والخارجية الأمريكية، ومجلس الأمن الدولي، قبل أن يجد ضالته السياسية في الانتماء للحزب الجمهوري، والعمل كمستشار للمرشح للرئاسة الأمريكية «ميت رومني» في انتخابات 2012.
تجددت مساعي «فارس» في التدرج داخل مراكز صناعة القرار الأمريكي عبر العمل في حملة «ترامب» الانتخابية كمستشار سياسي له، ومروجٍ لأطروحاته المعادية للإسلام والمسلمين بوسائل الإعلام الأمريكية والعربية، ليجد نفسه على أعتاب البيت الأبيض؛ بعد فوز مُرشحه على وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «هيلاري كلينتون»، التي كانت تذهب كافة الترشيحات إلى أن تكون هي الرئيسة الجديدة لأمريكا.