لم تعد تكتفي الجماعات المسلحة في مصر بنشاطها في شبه جزيرة سيناء، وأصبحت تعمل على توسيع نشاطها ليشمل أماكن سياحية مثل الأقصر وأماكن مركزية في القاهرة. وما بدا من العمليات الأخيرة في مصر هو أنها مختلفة عن سابقاتها؛ إذ أصبحت تشبه العمليات التي تنفذ في العراق وسوريا.
هذا بحسب المحلل العسكري والسياسي لصحيفة "هآرتس" العبرية، تسبي بارئيل، الذي إن عبد الفتاح السيسي فشل في تحقيق وعوده للشعب المصري بـ "القضاء على الإرهاب"، وهو ما أكد عليه حين تسلُّمه لمقاليد الحكم قبل عام.
كما أن وعوده الحالية بملاحقة "الإرهاب" ومحاربته حتى نهايته، ومطالبات مسؤولين في الحكومة بفرض حالة الطوارئ إلى أجل غير مسمى، لم تعد تقنع المواطنين المصريين الذين أصبحوا يخافون الذهاب إلى أماكن مركزية في العاصمة.
وفي هذا السياق، تحدث بارئيل عن أن وعد السيسي من البداية كان ديماغوجياً مخادعاً، إذ إن الجماعات المسلحة التي تنشط في سيناء مختلفة عن تلك التي كانت قبل ثلاثة عقود. فغالبية الجماعات الحالية أعلنت ولاءها لتنظيم "الدولة"، وجماعات أخرى ظلت على ولائها لتنظيم "القاعدة"، إلى جانب الجماعات التي تعمل بشكل مستقل، ويذكر أن خطوط دعم هذه الجماعات تأتي من ليبيا عن طريق الصحراء الغربية من السودان.
وبحسب تقديرات مسؤولين في الأمن المصري، يوجد في مصر أكثر من مليوني سلاح غير مرخص، استخدم قسم منها بعمليات تسببت بمقتل 500 شرطي وجندي مصري على الأقل منذ عام 2013، غالبيتهم في سيناء، والباقي في القاهرة ومدن أخرى.
وقد قدّر الجيش المصري بشكل خاطئ أنه يستطيع التعامل مع هذه التنظيمات عن طريق استراتيجية معروفة؛ وهي قطعها عن مصادر التمويل والتسليح، والمطاردة في المنطقة بين سيناء والصحراء الغربية. إلى جانب ذلك قام الجيش بإخلاء أكثر من 2000 بيت في مناطق سيناء القريبة من قطاع غزة، كما هدم غالبية الأنفاق وأغلق معبر رفح لوقت طويل جداً، حتى إنه بدأ بحفر قناة لمنع العبور.
من ناحية أخرى، طوّرت الجماعات المسلحة استراتيجية مضادة لمواجهة الجيش المصري؛ إذ ركزوا على توسعة مناطق نشاطهم من ناحية الجغرافيا ومن ناحية الأهداف. فمن سنوات وحتى العام الماضي، تركزت عمليات هذه الجماعات ضد أفراد الشرطة والجيش المصري في سيناء، في حين أنها خلال السنة الماضية نفذت عمليات في مناطق سياحية في الأقصر، كما وضعوا عبوات ناسفة في محطات القطار بالقاهرة، وفجروا سيارات مفخخة داخل مناطق سكنية، ولم يترددوا أيضاً باغتيال شخصية عامة.
وعليه؛ يقول بارئيل، إن هذا التغيير الذي طرأ يعني أن الجماعات انتقلت من استهداف المناطق والشخصيات العسكرية إلى الأماكن المدنية. وبرأيه من الممكن أن تدل هذه الاستراتيجية على أن هذه الجماعات نجحت بتأسيس شبكة لوجستية قوية داخل المدن، التي تمكنهم من تجاوز جهاز المخابرات المصرية.
ويضيف أن استراتيجية الأمن المصري باتهام حركة "الإخوان المسلمين" بالإرهاب، وحبس قياداتهم، والتحفظ على أموالهم، لم تقلل حتى الآن من وتيرة التفجيرات أو محاولات التفجير؛ وذلك لأنه على عكس حركة "الإخوان المسلمين" التي تملك قيادة واضحة، فإن الجماعات المسلحة، مثل "أنصار بيت المقدس"، تعمل بشكل مستقل دون تنسيق، حتى وإن كانوا مصنفين لتنظيم أكبر مثل القاعدة.
ولهذا السبب أيضاً تختلف الجماعات المسلحة اليوم عن التي نشطت في سنوات الـ 80 والـ 90 في سيناء، وذلك لأن الجماعات الحالية ليس لديها أيضاً قيادة روحية معروفة وموحدة، التي يمكن أن تحدد لها خطواتها أو أن تجري مفاوضات مع النظام إذا ما احتاج الأمر.