لم يبق للقيادة السياسية الإسرائيلية وسائل جديدة لاستخدامها في سبيل عرقلة التوصل لاتفاق حول الملف النووي الإيراني مع الدول العظمى؛ فقد استنفد نتنياهو ورجال حكومته جهودهم في الاتصالات واللقاءات والخطابات التحذيرية من خطورة الاتفاق، وبعد أن لم يجدوا آذاناً صاغية بدؤوا بالاستعداد لمرحلة "ما بعد الاتفاق".
وبحسب ما قال المحلل السياسي والعسكري لصحيفة "هآرتس" العبرية، عاموس هارئيل، اليوم، فإن الولايات المتحدة لم تعد تعر اهتماماً لتصريحات نتنياهو وتحذيراته؛ خاصة بعد إصراره على إلقاء خطابه في الكونغرس رغم معارضة البيت الأبيض، الأمر الذي يجعل من محاولات إسرائيل التأثير على الاتفاق عبثية.
تعليمات جديدة
وعلى ضوء عدم جدوى استمرار محاولات الحيلولة دون الاتفاق، من الممكن تفسير التوجيهات الجديدة التي أصدرها وزير الجيش الإسرائيلي، موشيه يعالون، ورئيس الأركان الجديد، غادي آيزنكوت، للجيش الإسرائيلي ولأجهزة الأمن مؤخراً بتعزيز الجهود الاستخباراتية.
فبحسب ما كشف المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أليكس فيشمان، فإن قيادة الأمن والجيش أصدرت تعليمات بالاستعداد الكامل لمواجهة مرحلة ما بعد الاتفاق، التي من المحتمل أن يفسح فيها المجال لإيران لتكون دولة "عتبة نووية"، ومتحررة من العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها قبل الاتفاق.
وأضاف أن من شأن الاتفاق أن يؤثر بشكل كبير على الميزانية العامة لوزارة الجيش الإسرائيلي، التي من المقرر أن يتم المصادقة عليها خلال يونيو/ حزيران المقبل. فالتوصل لاتفاق يعني تعزيز ميزانية الأقسام الاستخباراتية والعملياتية بشكل دائم في الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن؛ وذلك استعداداً لوقف التهديد الإيراني في أي لحظة.
وفي السياق نفسه، يرى مراقبون أن الاتفاق سوف يدفع إسرائيل لبذل مجهودات مضاعفة لرصد المعلومات حول إيران؛ بهدف التوصل لأي معلومة استخباراتية تدل على انتهاكها لبنود الاتفاق، أو إجرائها محاولات لتجاوزها بطرق ملتوية.
مخاوف إسرائيل من الاتفاق
وتتلخص المخاوف الإسرائيلية من اتفاق الدول العظمى مع إيران في عدة نقاط:
الأولى- أن الاتفاق يحتوي على عدة ثغرات تعتبرها إسرائيل سيئة لها، وقد تعطي إيران الوقت الكافي لتصبح دولة "عتبة نووية"، وأن يكون لديها الوقت الكافي لتخصيب كمية من اليورانيوم تمكّنها من تصنيع قنبلة نووية.
الثانية- سياسياً تتخوف إسرائيل من إزالة العقوبات عن إيران، ولو كانت بشكل تدريجي، الأمر الذي سيمنحها مكانة استراتيجية هامة، ليس على مستوى الشرق الأوسط فحسب، وإنما على مستوى العالم أيضاً، وهو ما سيكون على حساب مكانة إسرائيل.
الثالثة- جر الشرق الأوسط إلى سباق نووي، وهو ما تحدث عنه رئيس الحكومة الإسرائيلية مرات عديدة، حيث أعرب عن مخاوف بلاده تجاه استمرار إيران في نشاطها النووي بغض النظر عن الاتفاق، ما يؤدي لجر منطقة الشرق الأوسط لسباق تسلح نووي خاصة من طرف المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر؛ وتزداد خطورة هذا الأمر في الوقت الذي تسعى فيه السعودية، بحسب محللين إسرائيليين، لتشكيل محور سني يضم مصر وتركيا أيضاً لمواجهة إيران، الأمر الذي ترى فيه إسرائيل خطراً عليها أيضاً.
ويرى نتنياهو أن الاتفاق لن يمنع إيران من مواصلة نشاطها للسيطرة على دول في الشرق الأوسط، بل سيؤدي إلى تفاقمه وتسارعه، خاصة في الدول التي تحوي أقلية أو أغلبية شيعية أو فئات موالية لإيران؛ مثل البحرين واليمن والعراق ولبنان وسوريا، كما أنه سوف يعزز من قوة الفصائل المسلحة مثل حزب الله وحركة حماس في غزة.